سوريا في المرحلة الانتقالية: هل يمثل مجلس الشعب الجديد بداية عهد جديد أم استمرارًا للجدل؟

سوريا في المرحلة الانتقالية: هل يمثل مجلس الشعب الجديد بداية عهد جديد أم استمرارًا للجدل؟

مقدمة: سوريا على مفترق طرق

تشهد سوريا تحولات سياسية واجتماعية عميقة في إطار ما يُعرف بالمرحلة الانتقالية. وفي قلب هذه التحولات، يبرز تشكيل مجلس شعب جديد كإحدى الخطوات المحورية التي تثير تساؤلات حيال طبيعة التمثيل، الشرعية، ومستقبل البلاد. فهل يمثل هذا المجلس بداية عهد جديد من الديمقراطية والشفافية، أم أنه مجرد استمرار للجدل والانقسامات التي تعصف بالبلاد؟

الإعلان الدستوري وتشكيل مجلس الشعب: خطوة إلى الأمام أم التفاف على المطالب؟

في 13 مارس/آذار، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع الإعلان الدستوري الذي يهدف إلى رسم ملامح المرحلة الانتقالية في البلاد. تضمن الإعلان حل مجلس الشعب السابق، وإلغاء دستور 2012، وتفكيك الأجهزة الأمنية والفصائل العسكرية، مع التأكيد على بناء دولة تقوم على العدل والشفافية.

  • تشكيل اللجنة العليا للانتخابات: في 13 يونيو/حزيران، صدر المرسوم الرئاسي رقم 66 لسنة 2025 بتشكيل "اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب" برئاسة محمد طه الأحمد، وعضوية شخصيات أخرى. تتولى هذه اللجنة الإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة لاختيار أعضاء مجلس الشعب.
  • تركيبة المجلس: وفقًا للمادة 24 من الإعلان الدستوري، يتكون مجلس الشعب من 150 عضوًا، يتم اختيار ثلثيهم (100 عضو) عبر هيئات فرعية تشرف عليها اللجنة العليا، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي (50 عضوًا) لضمان تمثيل عادل وكفاءة.
  • صلاحيات المجلس: يتولى المجلس السلطة التشريعية كاملة، إلى جانب مسؤوليات تنفيذية محدودة، بينما تظل السلطة التنفيذية الكبرى بيد رئيس الجمهورية.

جدل التمثيل والشرعية: هل هو تعيين مقنّع أم ضرورة واقعية؟

أثار تشكيل مجلس الشعب بهذه الطريقة جدلاً واسعًا، حيث اعتبره البعض تعيينًا غير مباشر بدلاً من انتخابات ديمقراطية حقيقية.

  • رأي الخبراء: المحامي أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، يرى أن الظروف الراهنة في سوريا تجعل إجراء انتخابات تشريعية أمرًا غير ممكن، وأن الوضع الطبيعي في مثل هذه الظروف يقتضي تعيين مجلس تشريعي بدلاً من انتخابه.
  • مقترح الجمعية التأسيسية: يقترح البني تشكيل جمعية تأسيسية معينة، بحيث يُعيّن ثلث أعضائها من المجتمع الدولي، وثلث من المجتمع المدني والمستقلين، وثلث من أطراف الصراع (المعارضة والنظام سابقًا).

ضمان التمثيل العادل: هل التعيين هو الحل الأمثل؟

يرى البعض أن التعيين يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات مثل الكرد، والمسيحيين، والعلويين، والإسماعيليين، والأرمن، والسريان، وأن الانتخابات قد لا تحقق تمثيلاً متوازنًا.

  • مقترح مجلس الشيوخ: يقترح البني إنشاء مجلس شيوخ إلى جانب مجلس النواب، لتعزيز تمثيل الأقليات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  • أهمية المحكمة الدستورية: يشدد على أهمية تشكيل محكمة دستورية عليا، كما نص الإعلان الدستوري، لتفسير القوانين والتأكد من توافقها مع الإعلان.

انتقادات واعتراضات: غياب الشمولية يهدد العملية

واجهت العملية انتقادات من بعض الأطراف، خاصة المكونات الكردية وبعض القوى السياسية في محافظة السويداء، التي عبّرت عن استيائها من عدم إشراكها في مشاورات تشكيل الحكومة أو هياكل المرحلة الانتقالية.

  • اعتراضات السويداء: الحقوقي مهند شهاب الدين يرى أن الإعلان الدستوري غير قانوني ولا يمثل كل القوى السياسية في البلاد، مشيرًا إلى أن المحافظة وشمال شرق سوريا لن يكونا ممثلين بشكل حقيقي في مجلس الشعب القادم.
  • موقف الإدارة الذاتية الكردية: اعتبرت القوى السياسية في السويداء والإدارة الذاتية الكردية الإعلان "يتنافى مع تنوع سوريا".

المجتمع الدولي: دعم مشروط بالشمولية والشفافية

رحب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بتشكيل هيئات مثل هيئة العدالة الانتقالية والهيئة العليا للمفقودين، واعتبر تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب خطوة أساسية، لكنه شدد على ضرورة ضمان الشمولية والشفافية في العملية.

تحديات المرحلة الانتقالية: ضرورة الواقع أم تجاوز للدستور؟

المحامي عبد العزيز درويش يرى أن الحديث عن دستورية الإعلان غير ممكن، لأنه دستور مؤقت يهدف إلى تنظيم شؤون الدولة خلال المرحلة الانتقالية بعد إسقاط النظام السابق وتعليق دستور 2012.

  • شرعية الآلية: يعتبر أن شرعية آلية تشكيل المجلس، التي تجمع بين انتخاب ثلثي الأعضاء وتعيين الثلث المتبقي، نسبية وتفرضها الضرورة الواقعية لغياب بيئة آمنة لإجراء انتخابات حرة.
  • مقترحات عملية: يقترح الاستفادة من تجربة المجالس المحلية الحرة خلال الثورة لتشكيل هيئات ناخبة تمثل المجتمعات المحلية بناء على نسبة السكان في كل محافظة، لضمان الشفافية والنزاهة في اختيار ثلثي الأعضاء.

الخلاصة: نحو مستقبل مستقر وشرعي

تبقى سوريا في مرحلة انتقالية حرجة تتطلب حلولًا عملية تأخذ في الاعتبار الواقع المعقد، مع العمل على بناء مؤسسات شرعية وشفافة تمهد لدستور دائم واستقرار طويل الأمد. إن نجاح مجلس الشعب الجديد في تحقيق التمثيل العادل والشمولية سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة سوريا على تجاوز الماضي والانطلاق نحو مستقبل أفضل.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *