سوريا وإسرائيل بعد الأسد: بين ضغوط التطبيع وتحديات السيادة

سوريا وإسرائيل بعد الأسد: بين ضغوط التطبيع وتحديات السيادة

مقدمة: سوريا في مهب رياح التطبيع بعد سقوط الأسد

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، خاصةً في الجنوب ومحيط دمشق. هذه الاعتداءات، التي استهدفت مواقع عسكرية وبنى تحتية، تزامنت مع تحركات إقليمية ودولية تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات السورية الإسرائيلية، واحتمالات فرض "التطبيع" كأمر واقع. فهل تستطيع سوريا الجديدة مقاومة هذه الضغوط، أم ستضطر لتقديم تنازلات تحت وطأة الحاجة للدعم والاعتراف الدولي؟

التصعيد الإسرائيلي: ذريعة أمنية أم ضغط للتطبيع؟

منذ بداية المرحلة الانتقالية في سوريا، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية وتوغلاتها البرية، مبررة ذلك بـ"حماية أمنها" ومنع وصول الأسلحة إلى "جهات معادية". لكن مراقبين يرون أن هذا التصعيد يهدف إلى:

  • إضعاف موقف دمشق: استغلال المرحلة الانتقالية لفرض شروط تل أبيب.
  • إعادة تشكيل المشهد: بما يخدم المصالح الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
  • فرض التطبيع بالقوة: عبر ممارسة ضغوط عسكرية وسياسية واقتصادية.

أدوات الضغط الإسرائيلية: من القوة العسكرية إلى "ورقة الأقليات"

تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها في سوريا من خلال:

  • العمليات العسكرية: استهداف مواقع عسكرية وبنى تحتية.
  • الضغط السياسي والدبلوماسي: استغلال حاجة سوريا للدعم والاعتراف الدولي.
  • "ورقة الأقليات": التظاهر بحماية الأقليات لتبرير التدخلات وابتزاز دمشق.
  • دعم الحكم الذاتي: السعي لخلق نوع من "الحكم الذاتي" في مناطق معينة، مثل السويداء، لتتحول إلى قاعدة متقدمة لها.
  • التواصل مع الأكراد: فتح خطوط اتصال مع الأكراد في شمال شرق سوريا ودعم إقامة كيان مستقل لهم.
  • استغلال المكونات السورية: استخدام المكونات السورية كأدوات ضغط وإضعاف مركزية القرار السياسي في دمشق.

الموقف السوري: ضبط النفس ورغبة في علاقات طبيعية

في المقابل، تتسم سياسة دمشق بضبط النفس، مع التأكيد على:

  • الرغبة في علاقات طبيعية: مع جميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
  • عدم تهديد الاستقرار: التأكيد على أن سوريا لن تكون مصدراً لعدم الاستقرار لأي طرف.

هل التطبيع هدف إسرائيلي؟ مقاربة أمنية أم استراتيجية شاملة؟

يرى بعض الخبراء أن إسرائيل تستثمر في الواقع الهش بسوريا، حيث تمنحها الفوضى والاضطرابات الداخلية حرية الحركة و"شرعية ميدانية" تفوق ما قد تجنيه من تطبيع غير مضمون. وبعبارة أخرى:

  • التركيز على المقاربة الأمنية: التعامل مع الوضع السوري من منظور أمني بحت.
  • الاستثمار في التوترات الداخلية: دعم بعض الأطراف كالدروز أو قوات سوريا الديمقراطية، لأن التعامل مع دولة ضعيفة ومفككة أفضل من التطبيع مع نظام معاد.
  • تخوف من طبيعة السلطة في دمشق: اعتبارها "جماعة إسلامية جهادية" لا يمكن التعامل معها إلا بطرق أمنية وعسكرية.

تلميحات أمريكية ونفي سوري: إلى أين تتجه الأمور؟

في الأشهر الأخيرة، ظهرت تلميحات حول استعداد الإدارة في دمشق للتطبيع مع إسرائيل، لكن هذه التلميحات قوبلت بنفي سوري رسمي.

  • تصريحات أمريكية: أشارت إلى إمكانية تطبيع إسرائيل مع سوريا ولبنان بعد خروج سوريا من النفوذ الإيراني.
  • نفي سوري: أكد أن الولايات المتحدة لم تطلب من دمشق الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" أو الدخول في أي مسار تطبيع.

تحديات داخلية وخارجية: هل يستطيع النظام السوري تحمل كلفة التطبيع؟

رغم الضغوط الإقليمية والدولية، يواجه النظام السوري تحديات داخلية كبيرة تجعل التطبيع خياراً صعباً:

  • الكلفة السياسية والشعبية: قد يؤثر التطبيع سلباً على صورة القيادة السورية وشعبيتها.
  • التأثير على العلاقات العربية والإسلامية: قد يؤدي التطبيع إلى عزلة سوريا في العالم العربي والإسلامي.
  • رفض التنازل عن الثوابت الوطنية: بما في ذلك استعادة كامل الجولان ووقف العدوان الإسرائيلي.

سيناريوهات محتملة: تفاهمات أمنية أم تطبيع كامل؟

في ظل هذه الظروف، تتعدد السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات السورية الإسرائيلية:

  • تفاهم أمني جديد: يتضمن تعديل اتفاقية "فض الاشتباك" بما يخدم المصالح الإسرائيلية، مع تأمين بعض الاستقرار لسوريا.
  • تطبيع مشروط: مرتبط بمواقف واضحة من القضية الفلسطينية وبضمانات إقليمية ودولية.
  • الاستمرار في الوضع الراهن: مع استمرار الضغوط الإسرائيلية والتوترات الحدودية.

خاتمة: اختبار صعب أمام القيادة السورية

في النهاية، تجد القيادة السورية نفسها أمام اختبار سياسي معقد، يفرض عليها الموازنة بين:

  • إغراءات الاعتراف الدولي والاستقرار الأمني.
  • اعتبارات السيادة والشرعية الوطنية.

عليها إما المخاطرة بالدخول في مسار تطبيع محفوف بالرفض، أو البحث عن بدائل تحفظ مصالحها من دون التفريط في ثوابتها.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *