مقدمة: نار تحت الرماد
على الرغم من الهدنة الهشة التي تم التوصل إليها بين باكستان والهند، لا تزال التوترات العميقة تخيم على العلاقات بين الجارتين النوويتين. فإلى جانب الخلافات السياسية والدبلوماسية المستمرة، يتبادل البلدان اتهامات خطيرة بدعم جماعات مسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي ويهدد الاستقرار.
اتهامات متبادلة: لعبة خطيرة
تتهم باكستان الهند بتمويل وتسليح حركات انفصالية في إقليم بلوشستان، بهدف تقويض أمنها الداخلي وإعاقة المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية، وعلى رأسها الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. في المقابل، تتهم الهند باكستان بدعم جماعات متشددة تنشط في كشمير، واستخدامها كأداة لزعزعة الاستقرار وتأجيج التوتر في المنطقة، كما حدث في هجوم باهلجام الأخير.
جماعات بلوشستان المسلحة: محور الاتهام الباكستاني
تعتبر باكستان أن الجماعات البلوشية المسلحة، وعلى رأسها "جيش تحرير بلوشستان"، تتلقى دعماً مباشراً من الهند.
-
جيش تحرير بلوشستان (BLA): تأسس عام 2000، ويعتبر من أخطر الجماعات البلوشية المسلحة، ويتبنى الأيديولوجية القومية البلوشية. يهدف إلى الاستقلال السياسي لإقليم بلوشستان، ويستهدف الحكومة الباكستانية والشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، خاصة تلك المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. تصنفه باكستان والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
- جبهة تحرير بلوشستان (BLF) وجيش بلوشستان الوطني (BNA): مجموعات أخرى تشارك "جيش تحرير بلوشستان" الأهداف نفسها، وتتهمها باكستان بتلقي دعم من الهند.
طالبان باكستان (TTP): شوكة في خاصرة إسلام آباد
تنشط حركة طالبان باكستان في المناطق الحدودية مع أفغانستان، وتتبنى أيديولوجية تجمع بين القومية والدينية المتشددة. وتطالب بحكم ذاتي في المناطق القبلية الباكستانية، وتقف وراء العديد من الهجمات الدامية، بما في ذلك الهجوم على مدرسة بيشاور عام 2014. تتهم باكستان الهند بدعم وتمويل الحركة.
جماعات كشمير المسلحة: بؤرة التوتر
تتهم الهند باكستان بدعم جماعات مسلحة تنشط في كشمير، وتسعى إلى إنهاء السيطرة الهندية على الإقليم المتنازع عليه.
-
عسكر طيبة (LeT): تأسست عام 1990، وتحارب السيطرة الهندية على جامو وكشمير. نفذت العديد من الهجمات ضد المسؤولين والقوات الهندية في كشمير وفي جميع أنحاء الهند. اتهمت بالهجوم على البرلمان الهندي عام 2001. على الرغم من أن الهند تتهم باكستان بدعمها، إلا أن باكستان أعلنتها "جماعة إرهابية محظورة" عام 2002.
-
جبهة المقاومة (TRF): ظهرت عام 2019، وتسعى إلى "تحرير كشمير". تعتبرها الهند فرعاً من جماعة "عسكر طيبة". أعلنت مسؤوليتها عن هجوم باهلجام الأخير.
-
جيش محمد (JeM): تأسس على يد مسعود أزهر، ويسعى إلى محاربة الوجود الهندي في كشمير. اتهم بالوقوف وراء تفجير مبنى المجلس التشريعي في الشطر الهندي من كشمير عام 2001. أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم بولواما عام 2019.
- حزب المجاهدين (HM): تأسس عام 1989، ويهدف إلى توحيد شطري كشمير والانضمام إلى باكستان. تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند منظمة إرهابية.
وجهة نظر الخبراء: هل الدعم الخارجي هو المحرك الرئيسي؟
-
ماهين شفيق (باحثة في معهد الدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد): ترى أن الهند تدعم "طالبان الباكستانية" و"جيش تحرير بلوشستان"، وأن باكستان لديها أدلة على ذلك. وتعتبر أن الهند تستغل الانقسامات في باكستان، وفقاً لمبدأ "دوفال" الذي يهدف إلى زعزعة استقرار بلوشستان.
- رفيع الله كاكار (خبير أمني مختص في الحركات البلوشية): يرى أن الدعم الخارجي للحركات البلوشية المسلحة يظل عاملاً هامشياً، وأن أساس التمرد البلوشي يكمن في المظالم السياسية والاقتصادية الداخلية.
الخلاصة: طريق وعر نحو السلام
يبقى تبادل الاتهامات بين باكستان والهند بدعم الجماعات المسلحة عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وبينما يلقي كل طرف باللوم على الآخر، تتصاعد المخاطر الأمنية ويزداد تعقيد المشهد الإقليمي. يبقى الحوار الصادق والشفافية هما السبيل الوحيد لكسر حلقة العنف والتوتر المستمر.
اترك تعليقاً