ضربة أمريكا لإيران: تداعيات استراتيجية وتغييرات في خريطة الشرق الأوسط

ضربة أمريكا لإيران: تداعيات استراتيجية وتغييرات في خريطة الشرق الأوسط

مقدمة: حسابات ترامب ومأزق إسرائيل

في خطوة مفاجئة، اتخذ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرارًا بشن ضربة جوية على المفاعلات النووية الإيرانية، مستخدمًا قاذفات "بي-2 سبيريت" المتطورة. هذا القرار جاء بعد ضغوط إسرائيلية متزايدة، وسط تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وإيران، وعجز تل أبيب عن تحقيق أهدافها بالقضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، خاصةً في منشأة فوردو المحصنة.

المأزق الإسرائيلي والضغط على واشنطن

تواجه إسرائيل معضلة حقيقية، حيث تخشى من التداعيات الخطيرة لاستمرار الصراع مع إيران. سقوط الصواريخ الإيرانية في العمق الإسرائيلي، والتكلفة الباهظة للتصدي لها، والاستنزاف الاقتصادي المتزايد، كلها عوامل دفعت إسرائيل للضغط على الرئيس ترامب للتدخل بقوة، وتوجيه ما يشبه "الضربة القاضية" لإيران.

نتنياهو وحلفاؤه الجمهوريون سعوا لتصوير مهمة تدمير البرنامج النووي الإيراني على أنها قابلة للتحقيق، وأن النظام الإيراني أضعف من أن يتحمل حربًا شاملة مع الولايات المتحدة. ربما استند ترامب في قراره إلى رد الفعل الإيراني المحدود بعد اغتيال قاسم سليماني، متوقعًا ردًا مشابهًا لا يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع النطاق.

دلالات التدخل الأميركي وتأثيره على الشرق الأوسط

هذا التدخل الأميركي، وإن لم يكن الأول من نوعه في إيران، يحمل دلالات استراتيجية عميقة وتأثيرات محتملة على منطقة الشرق الأوسط:

  • تحول نوعي في الصراع: لأول مرة، تدخل دولة إسلامية غير عربية بشكل مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي، مستهدفة العمق الإسرائيلي.
  • تأثير القضية الفلسطينية: انتقلت إيران من دعم الفصائل المسلحة المناهضة لإسرائيل إلى الانخراط المباشر في الصراع، مما يضفي بعدًا إسلاميًا أوسع على القضية الفلسطينية.
  • طموحات إسرائيلية إقليمية: سعى نتنياهو لاستغلال حرب غزة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وتقويض قوة حزب الله في لبنان، وإضعاف النظام السوري، تمهيدًا للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.

حسابات ترامب والمفاوضات الفاشلة

يبدو أن رهان نتنياهو على فوز ترامب في الانتخابات الأميركية قد أتى أكله، حيث استجاب ترامب لطلبه بضرب المفاعلات النووية الإيرانية. قبل هذه الضربة، حرص ترامب على إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران، لكنها لم تسفر عن اتفاق بشأن الملف النووي.

في البداية، أبدى ترامب استعدادًا لقبول استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بدرجات محدودة للاستخدام السلمي، لكنه تراجع لاحقًا وتبنى موقفًا متشددًا يطالب بحرمان إيران من حق التخصيب بشكل كامل. على الرغم من أن إسرائيل تتبنى حاليًا سياسة تغيير النظام في إيران، فمن غير المرجح أن تتبنى الولايات المتحدة هذه السياسة.

رسائل واشنطن وطهران: محاولة احتواء التصعيد؟

يسعى ترامب لإرسال رسالة واضحة لإيران مفادها أن الضربات الجوية جاءت كحل اضطراري بعد فشل المفاوضات. من المتوقع أن تحاول إيران قراءة الموقف بعناية، واختيار أسلوب الرد بناءً على دبلوماسية "الأبواب الخلفية" التي ربما بدأت الولايات المتحدة في استخدامها بالفعل، بهدف إيصال رسالة مفادها عدم الرغبة في تصعيد الصراع العسكري.

رسالة ترامب الأخيرة، التي أكد فيها على ضرورة البدء في عملية السلام، تشير إلى محاولة فتح صفحة جديدة مع إيران، على عكس خطاب الحرب الذي استخدمه الرئيس بوش قبل غزو العراق.

التداعيات المحتملة والتحولات الإقليمية

من المرجح أن تدفع هذه الضربات الأميركية إيران إلى المضي قدمًا في تطوير برنامجها النووي، وإنتاج السلاح النووي، مهما كلف ذلك من تضحيات.

  • اعتماد إسرائيلي متزايد على واشنطن: كشفت الحرب عن حاجة إسرائيل الماسة للدعم العسكري الأميركي المباشر، وضعفها الأمني، مما يزيد من اعتمادها على الولايات المتحدة وربما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الأميركية.
  • تقارب إسلامي عربي محتمل: قد يؤدي التدخل الأميركي المباشر لصالح إسرائيل إلى تقارب إسلامي عربي، مثل التقارب التركي السوري أو التركي المصري.
  • هشاشة الأمن الإسرائيلي: كشفت الصواريخ الإيرانية عن هشاشة الأمن الإسرائيلي، وأن التفوق التكنولوجي وحده لا يكفي لتحقيق الأمن والسلام.
  • تهديد العمق الإسرائيلي: لأول مرة، يجد المواطن الإسرائيلي نفسه مهددًا في عقر داره.

الرأي العام الأميركي وتكلفة الحروب

على الرغم من انشغال الرأي العام الأميركي بالقضايا المحلية، فإن بعض الحروب الخارجية تركت بصمات واضحة في توجهاته. من الغريب أن الضربات الأميركية ضد إيران قد توحد تيارات أيديولوجية متناقضة نحو هدف مشترك، وهو إنهاء الحروب الأميركية بسبب تكلفتها المالية الباهظة.

  • معارضة من اليمين واليسار: يرفض اليمين المتشدد التدخلات العسكرية لأسباب اقتصادية، بينما يعارضها التيار الليبرالي اليساري لأسباب إنسانية.
  • تأثير حرب غزة: أثارت الحرب في غزة احتجاجات في الجامعات الأميركية، مطالبة بإنهاء معاناة الفلسطينيين.
  • نقاش حول دور أمريكا في الشرق الأوسط: قد تثير الضربات الأميركية ضد إيران نقاشًا حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودعمها لإسرائيل.

إيران وامتلاك زمام المبادرة

ربما نجح ترامب في امتلاك زمام المبادرة السياسية والعسكرية بضرب المفاعل النووي في فوردو، إلا أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من الأوراق السياسية والقدرات العسكرية لإطالة أمد الصراع، وهو ما قد لا تتحمله إسرائيل.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *