غزة الجريحة: قصة شعب يواجه الظلم بإيمان لا ينكسر

غزة الجريحة: قصة شعب يواجه الظلم بإيمان لا ينكسر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً، أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإن من المظالم العظيمة التي يعجز عنها الوصف، ما يتعرض له أهل غزة من حصارٍ ظالمٍ وحربٍ لا تميز بين صغير وكبير، ولا بين محاربٍ ومسالم. فإن أخبارهم قد ملأت الآفاق، وصور معاناتهم قد أدمت القلوب الحية، فليس بينهم وبين الموت إلا جدار، وليس بينهم وبين عيش الكرامة إلا عدو ظالم جائر.

ذكر ظلم الاحتلال وحصار غزة

إنه قد طُبع في قلوب بني آدم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، ولكن أعداء الله أبوا إلا أن يتعدوا حدود الله، فقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ودمروا الزرع والنسل، وأهلكوا الحرث والنسل، ونقضوا المواثيق التي هي بين الأمم، كل ذلك سعياً منهم في الأرض فساداً.

قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

وإن ظلم أهل غزة ليذكر بظلم فرعون في أرض مصر، فقد حاصرهم أعداؤهم حصاراً مطبقاً، حتى باتت الأمهات لا يجدن ما يطعمن به أطفالهن، والمرضى لا يجدون دواءً يشفي أمراضهم، ومن أراد النجاة بنفسه فإنه بين أن يموت غرقاً في البحر أو أن يعود إلى سجن الأرض الذي أحيط بالحصار.

معاناة أهل غزة في ظل الحروب

أيها المؤمنون، إنه إذا ما حل الظلم بالأرض نُزعت منها البركة، وصارت خراباً، وهذا ما حل بغزة اليوم، حيث أهلكت الحروب بيوتها، وشتت شمل أهلها. فكم من أمٍّ باتت تندب أبناءها الذين فقدتهم، وكم من أبٍ ضاع رزقه وهو يرى بنياته الجياع لا يجد لهن طعاماً.

قال الله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118].

ولقد أوغلت آلة الحرب في ظلمها، فهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها، واستهدفت الأسواق والمساجد والمدارس. ولقد بلغ من عظيم الجرم أن صار الأب يودع أبناءه عند كل يومٍ، لا يدري أيهم سيفقد أولاً.

أهل غزة والصبر على الابتلاء

ورغم هذا الظلم الماحق، فإن أهل غزة قد أظهروا من الصبر والجلد ما يعجز عنه الوصف. فإنهم يعلمون أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأنه ناصر المظلوم ولو بعد حين، قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].

وإنما صبرهم على البلاء عبادة، وثباتهم في وجه العدو شهادة، فكل نفس تُزهق منهم، وكل بيت يُهدم، وكل دم يُراق، هو عند الله مكتوب، وهو للظالمين يوم القيامة عذاب.

الختام بالدعاء والتحريض على النصرة

أيها الناس، إن النصرة لأهل غزة واجبٌ على المسلمين، فإنهم إخوانكم في الدين، وهم حماة الأرض المباركة. فاعملوا على نصرتهم بالكلمة الصادقة، والمال الحلال، وبالدعاء لهم في كل حين.

اللهم انصر إخواننا في غزة، وفرج كربهم، وداو جرحاهم، وأطعم جائعهم، وارفع الحصار عنهم، واكتب لنا ولهم النصر على أعدائك وأعدائنا، يا قوي يا عزيز.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *