غزة، جرحٌ نازفٌ في قلب الأمة، تبعث أناتها مع كل قذيفةٍ تسقط، ومع كل طفلٍ يشيعه أهله شهيدًا. غزة لا تئن من ألم الجراح فقط، بل من الصمت الذي خيّم على الأمة، من تخاذل حكام العرب والمسلمين، ومن غياب النصرة التي أمر الله بها. أليس المسلم أخو المسلم؟ أليس نصرة المظلوم حقًا مقدسًا في ديننا؟ كيف إذاً تُباد غزة والعالم يشاهد، والأمة تلتزم الصمت؟
غزة: ملحمة الصمود وأرض الكرامة
غزة ليست مجرد مدينة، إنها قلعةٌ للصمود ورمزٌ للعزة الإسلامية. ما إن تذكرت غزة حتى تتذكر المقاومة، النضال، والصبر في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي لا ترحم. تقف غزة منذ عقود وحيدة، محاصرةً ومعزولة، لكنها تأبى الانكسار، تأبى أن تُسلم رقابها دون أن تصرخ في وجه العالم، في وجه الأمة: أين أنتم؟ أين أخوة الإسلام؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه” (رواه البخاري). فأين أخوة المسلمين اليوم؟ أين ذلك الوعد الإلهي بالنصرة والعدل؟ ما نراه اليوم ليس إلا تخاذلًا وتراجعًا، كأنما باتت نصرة أهل غزة عبئًا ثقيلًا على كاهل أمةٍ شتتها مصالحها السياسية وأوهامها الاقتصادية.
أين أخوة الإسلام؟
لقد أوصى الإسلام بأخوة المسلمين، ليس بالكلام فحسب، بل بالفعل والعمل. قال تعالى: “إنما المؤمنون إخوة” (الحجرات: 10). هذه الأخوة ليست مجرد علاقة عابرة، بل هي رابطة مقدسة تُلزم المسلمين بالوقوف إلى جانب إخوانهم في كل زمانٍ ومكان. ولكن أين هذه الأخوة حين يُباد أهل غزة؟ أين هي حين يُحاصر الأطفال والشيوخ وتُهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها؟
إن النصرة ليست خيارًا بل هي واجب شرعي. غزة تُنادي، وأهلها يُرسلون لنا رسائلهم بالدماء، ويقولون: لا تتركونا وحدنا. ألا تخجل الأمة من صمتها بينما يرى العالم بأسره كيف تتساقط أرواح الأبرياء يومًا بعد يوم؟
من مجد التاريخ إلى تخاذل الحاضر
يا لها من مفارقة مؤلمة! إذا تأملنا تاريخ الأمة، وجدنا كيف كان المسلمون يتسابقون لنصرة المستضعفين، ويقيمون رايات العدل أينما كانوا. انظر إلى معركة مؤتة، حين أُرسل جيش المسلمين للدفاع عن كرامة مبعوثٍ قُتل ظلمًا. واستمع إلى قصة صلاح الدين الأيوبي، الذي لم يرتح حتى حرر القدس من يد الصليبيين. ذلك هو الإسلام في عزه وقوته، يقف مع الحق، ينصر المظلوم، ولا يهاب الأعداء.
ولكن اليوم، أين نحن من تلك العزة؟ هل أصبحت المصالح السياسية والاقتصادية أهم من الدماء التي تُسفك؟ هل ضاع مفهوم “الجسد الواحد” الذي يحدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (رواه مسلم)؟ أين التراحم؟ أين التعاطف؟
ازدواجية المعايير وصمت المجتمع الدولي
وإذا انتقلنا إلى العالم الأكبر، نجد أن المجتمع الدولي يقف موقف المشاهد، كأنه لا يرى المجازر التي تُرتكب في غزة. ما يُعد جريمة في أي مكان آخر، يُمرر هنا في صمتٍ مريب. ازدواجية المعايير باتت واضحة، فحين يتعلق الأمر بفلسطين، يبدو أن حقوق الإنسان تغيب، وتذوب قرارات مجلس الأمن في بحر المصالح الدولية.
لكن، هل نحن بحاجة إلى من يُذكرنا بواجباتنا؟ ألسنا نحن أمة الإسلام؟ ألسنا من نعرف أن الدفاع عن المظلوم جزء من إيماننا؟ فكيف ننتظر من الآخرين أن يتحركوا، ونحن صامتون؟
إلى الأمة: آن أوان الصحوة
إن غزة اليوم ليست بحاجة إلى كلمات عابرة أو خطب تُلقى في المحافل الدولية، بل هي بحاجة إلى وقفة جادة، وقفة تشعر أهلها بأن الأمة لم تنسَهم، بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة. غزة بحاجة إلى جيوش من التضامن، إلى دعم سياسي واقتصادي واجتماعي، إلى صوت قوي يتحدث باسم الحق ويدافع عن الكرامة.
لقد قال الله تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” (الأنفال: 46). والواقع اليوم يبين أن التفرق هو الذي أضعف الأمة وأفقدها قوتها. لكن إذا توحدت القلوب، وإذا عادت الأمة إلى مبادئها الإسلامية الأصيلة، فإن النصرة ستكون قريبة، ولن تكون غزة وحدها في ميدان المعركة.
خاتمة: غزة تنادي والأمة مسؤولة
غزة تستصرخ الأمة الإسلامية، تصرخ في وجه الصمت والخذلان، وتقول: إلى متى؟ هل تنتظرون حتى يندثر شعبنا؟ إن ما يجري في غزة هو امتحانٌ لنا جميعًا، امتحانٌ لا ينجح فيه إلا من أدرك أن نصرة المظلوم واجب لا يقبل التأجيل.
أيتها الأمة الإسلامية، استيقظي من غفلتك، عودي إلى مجدك وأخوتك، فغزة ليست مجرد مدينة، بل هي جبهة الدفاع الأخيرة عن كرامة كل مسلم.
اترك تعليقاً