غزة، المدينة التي تقع على الشريط الساحلي الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، ليست مجرد بقعة على الخريطة، بل هي رمز للعزيمة والصمود. بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي، لعبت غزة دوراً محورياً في تشكيل الأحداث الإقليمية والعالمية، وشهدت فصولاً من المقاومة والتحدي، جعلتها عصية على الغزاة ومحط أنظار العالم.
غزة.. موقع استراتيجي وتاريخ حافل
غزة، قلب قطاع غزة النابض، تتميز بموقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين قارات العالم القديم. تقع المدينة على بعد 78 كيلومتراً جنوب غرب القدس المحتلة، وتحدها من الشمال محافظة شمال غزة، ومن الجنوب المحافظة الوسطى، ومن الشرق إسرائيل، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط. هذا الموقع أكسبها أهمية تجارية وعسكرية عبر العصور، وجعلها مطمعاً للغزاة والطامعين.
مناخ معتدل وبيئة متنوعة
تتمتع غزة بمناخ معتدل دافئ، يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، وبالصحراء من جهة أخرى. يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوي 20 درجة مئوية، وتتراوح بين 14.5 درجة مئوية في شهر فبراير/شباط، و25 درجة مئوية في شهر أغسطس/آب. وتتساقط الأمطار بمعدل 400 مليمتر في السنة، وتصل نسبة الرطوبة إلى 69%.
مدينة مكتظة بالسكان
تعتبر غزة أكثر مدن القطاع اكتظاظاً بالسكان، حيث بلغ عدد سكانها حتى عام 2024 نحو 694 ألف نسمة. وتضم المدينة العديد من العائلات الفلسطينية العريقة، التي ساهمت في بنائها وتشكيل هويتها، مثل عائلات دغمش وحلس وعزام وهنية وإرحيم والأيوبي والصواف وإسكافي وإسليم والإفرنجي وإكريم وأبو الكاس وأبو القمبز وثريا وأبو حصيرة وأبو شعبان وأبو شنب والحلو والخضري وغيرها.
أسماء عبر التاريخ.. دلالات ومعان
حملت غزة عبر تاريخها أسماء مختلفة، تعكس الحضارات التي مرت بها. ففي حقبة الكنعانيين سُميت "هزاتي"، وعند الفراعنة "غزاتو"، بينما أطلق عليها الآشوريون "عزاتي"، ثم الصليبيون "غادرز"، وسماها العرب "غزة". وقد اختلف المؤرخون في سبب تسميتها بغزة، فمنهم من قال إنها مشتقة من المنعة والقوة، في حين يرى آخرون أنها تعني "المميزة".
غزة.. مركز اقتصادي حيوي
تعد غزة مركزاً اقتصادياً مهماً، حيث يرتكز الثقل الاقتصادي للقطاع فيها. توجد في المدينة معظم الوزارات ومقار الأجهزة الأمنية، والعشرات من المصانع والشركات. وتشتهر المدينة بالزراعة، خاصة محاصيل القمح والشعير والزيتون والعنب والطماطم والفراولة والليمون والبرتقال والأزهار. ويُربي سكانها نسبة قليلة من الأغنام والماشية.
صناعات تقليدية وسياحة واعدة
تشتهر غزة بصناعة الصابون والفخار والجلود، وصناعة الغزل والتطريز والنسيج والملابس والأثاث المصنوع من الخيزران، إضافة إلى الزجاج. وتُعد السياحة على البحر الأبيض المتوسط أحد أعمدتها الاقتصادية، إذ أنشئت الكثير من المشاريع السياحية على شاطئه مثل الفنادق والمطاعم والمقاهي الشعبية وغيرها، إضافة إلى نشاط صيد الأسماك.
أماكن تراثية تعكس عراقة التاريخ
توجد بالمدينة العديد من الأماكن التراثية التي تشمل الآثار الإسلامية والزوايا والأسواق والأسبلة والحمامات والقصور التي تجلت فيها روعة العمارة والفنون الإسلامية، مثل مسجد السيد هاشم والمسجد العمري وقصر الباشا وحمام السمرة.
غزة.. في مواجهة التحديات
عانى اقتصاد غزة من الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007، وما صاحبه من حروب، مما أدى إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية والمصانع والأراضي الزراعية. وارتفعت نسبة البطالة والفقر، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
تاريخ عريق وصمود أسطوري
تأسست غزة في القرن الـ15 قبل الميلاد على يد الكنعانيين، وشهدت مرور العديد من الحضارات والأقوام، منهم العرب والعبرانيون والكنعانيون والمديانيون وغيرهم. واحتلها الكثير من الغزاة، منهم الفراعنة والإغريق والرومان، حتى استقرت تحت سيادة البيزنطيين الروم.
غزة هاشم.. محطة تاريخية
تقول بعض الروايات إن هاشم بن عبد مناف، جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مات في غزة أثناء رحلة تجارية، واشتهرت المدينة لهذا السبب بـ"غزة هاشم".
من الفتح الإسلامي إلى الانتداب البريطاني
دخل المسلمون العرب غزة عام 634 ميلاديا، وأصبحت مركزاً إسلامياً مهماً، إلى أن سيطر عليها الصليبيون عام 1100، لكنها عادت تحت الحكم الإسلامي بعد معركة حطين سنة 583 هجرية. وفي القرن الـ16 خضعت للحكم العثماني حتى 1917، ثم احتلتها بريطانيا وبقيت تحت سلطة الانتداب حتى عام 1948.
غزة.. ملجأ للاجئين
بعد حرب 1948، أصبحت غزة ملجأ لكثير من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من ديارهم. وبقيت غزة تحت الإدارة المصرية حتى عام 1956، ثم احتلتها إسرائيل 5 أشهر أثناء العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر/تشرين الأول 1956، ثم انسحبت منها في مارس/آذار من العام التالي، فعادت مجدداً إلى حكم مصر.
الانتفاضات والمقاومة
في حرب النكسة عام 1967، احتل الجيش الإسرائيلي المدينة مجدداً، وصادر مساحات شائعة من أراضيها، وبنى فيها العديد من المستوطنات. وانخرط سكان المدينة بقوة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وتحول حي الشجاعية إلى ساحة مواجهة مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
غزة.. تحت السلطة الفلسطينية والحصار
على إثر اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، سُلمت المدينة للسلطة الفلسطينية، لكن بعض أراضيها بقيت تحت سيطرة الاحتلال وبنى عليها مستوطنات. وفي عام 2000 شارك أهالي المدينة بقوة في انتفاضة الأقصى، وكان لهم الدور البطولي الأبرز في تطور أساليب المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي سبتمبر/أيلول 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، وعلى الرغم من هذا الانسحاب؛ فإن إسرائيل أبقت حصارها على مدينة غزة، براً وبحراً وجواً.
غزة.. في قلب الصراع
تعرضت غزة لتدمير كبير متعمد أثناء الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بدءاً من حرب 2008 مروراً بحربي 2012 و2014 ثم 2023، بهدف محاولة النيل من سكانها وإنهاء مقاومتهم.
طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى ضد مستوطنات غلاف غزة، فردت إسرائيل بشن عدوان واسع على القطاع، استهدف المدنيين والمستشفيات والمدارس والأماكن التراثية والمساجد.
مجازر وحصار وتدمير
شهدت المدينة واحدة من أبشع المجازر، عندما قصفت طائرات الاحتلال المستشفى المعمداني في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال. كما اقتحمت القوات الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي وحولته إلى ثكنة عسكرية، ودمرت كل الأجهزة والمستلزمات الطبية. وشهدت المدينة أيضاً مجزرة دوار النابلسي يوم 29 فبراير/شباط 2024، بعدما أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه تجمع فلسطينيين كانوا ينتظرون وصول
اترك تعليقاً