غزة: كيف تتآكل فاعلية صور الفظائع وتتلاشى الاستجابة الإنسانية؟

غزة: كيف تتآكل فاعلية صور الفظائع وتتلاشى الاستجابة الإنسانية؟

مقدمة: حرب مرئية واستجابة عالمية متناقصة

منذ اللحظة الأولى، تحولت الحرب في غزة إلى حرب مرئية، تغذيها صور ومشاهد مروعة تتدفق على مدار الساعة. كان من المفترض أن تستثير هذه الصور ضمائر العالم، وتحرك القادة وصناع القرار لاتخاذ إجراءات حاسمة. ولكن، هل نجحت هذه الصور في تحقيق ذلك؟ أم أننا نشهد تآكلاً في فاعليتها وقدرتها على إحداث تغيير؟

غزة: شهادة مصورة على تقاعس عالمي

على الرغم من تدفق الصور الصادمة، من أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض إلى حشود تعاني الجوع، فإن الاستجابة الدولية كانت مخيبة للآمال. هذه الصور، التي تعتبر حججًا دامغة على انتهاكات القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، لم تترجم إلى أفعال ملموسة. هذا التقاعس يثير تساؤلات حادة حول تكافؤ قيمة الحياة والكرامة بين البشر في عالم واحد.

التلاعب بالصور: بين الافتعال والإهمال

تُظهر الحرب في غزة ظاهرة خطيرة: التلاعب بالصور. فمن جهة، نرى صورًا مفتعلة تستخدم لتبرير العنف ونزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. ومن جهة أخرى، يتم تجاهل وقائع مصورة لا تقبل الشك، مثل صور الأطفال الذين أحرقت أجسادهم. هذا الانحياز لا يقتصر على الافتعال والإهمال، بل يمتد إلى حرمان الضحية الفلسطينية من الاعتراف بوجودها ومعاناتها، وعزل هذه المعاناة عن الفاعل المحتل.

  • أمثلة على التلاعب: صورة مزيفة لطفل متفحم استخدمت لتبرير الإبادة.
  • أمثلة على الإهمال: صور الأطفال المحروقين في غزة التي لم تحظ بالاهتمام الكافي.

احتكار الاكتراث: مركزية غربية وانحيازات معولمة

تقتدر المركزية الغربية من خلال تقاليدها ومنصاتها السياسية والإعلامية والثقافية على احتكار الاكتراث العالمي، وتوجيه التعاطف بشكل انتقائي. حتى عندما تفرض بعض المشاهد حضورها، فإنها تحظى بجرعات تعاطف محسوبة، لا تقارن بالبكائيات المديدة التي تُفتعل لضحايا مفترضين من الغرب. هذا المنطق الانحيازي يوفر غطاء معنويًا لاستباحة دماء الفلسطينيين، سنة بعد سنة، على مرأى ومسمع من العالم.

التحايل على الحقيقة: تبريرات متراخية وتجاهل مروع

يجري التحايل على الحقيقة عبر تحجيم الاكتراث بمعاناة الفلسطينيين، وكبح الانفعال العالمي بها، وتوفير سرديات تبريرية استباقية، تعقبها استجابات لفظية متراخية بعد افتضاح الوحشية. يتم الامتناع عن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، فلا تُسمى الإبادة إبادة، ولا الفظائع فظائع، ولا التطهير العرقي تطهيرًا عرقيًا.

معسكر التجويع: أهوال مبثوثة على الهواء مباشرة

تنتشر صور الوجوه الشاحبة والأبدان الضامرة، في تجمعات يائسة بحثًا عن كسرة خبز أو رشفة ماء. أطفال ورضع يموتون جوعًا، ونساء حوامل يعانين بلا رعاية. هذه الأهوال ليست نتيجة لكارثة طبيعية، بل هي تجليات لسياسة وحشية مُبرمجة لسلب شعب بأكمله رمق العيش.

تساؤلات حرجة في ظل الوحشية المصورة

هذه المشاهد تفرض تساؤلات حرجة:

  • هل العالم مؤهل لاحتمال كل هذه الأهوال، والتساهل معها، وغض الطرف عنها؟
  • هل الموقف الدولي من الجريمة موضوعي، أم أنه يتحدد طبقًا لامتيازات الجاني وهوية ضحاياه؟

تآكل مفعول الفظائع المصورة: من الاستثناء إلى الاعتياد

في الماضي، حققت مشاهد استثنائية استجابات عالمية ملحوظة. ولكن، مع وفرة الفظائع المصورة في غزة، فقد المشهد الاستثنائي خاصيته، وأصبح "اعتياديًا"، أو مستساغًا ما دام أنه يمس قومًا من غير محظيي الكوكب. هذا يثير تساؤلات حول قابلية الذائقة البصرية العالمية للتكيف مع الفظائع، بفعل التوالي والاعتياد.

منطق الوحشية المستساغة: دعم علني وإسناد سخي

عندما تبدي المنصات السياسية والإعلامية المتصدرة عالميًا فتورًا إزاء هذه الفظائع المرئية، قد يتولد انطباع ساذج بأنها لا تستحق الاهتمام. هذا هو منطق الوحشية المستساغة، التي حظيت مسبقًا بالتبرير المتذاكي والدعم العلني والإسناد السخي من حكومات وأوساط فاخرت بالانتساب إلى "العالم الحر".

استعادة فاعلية الصور: التركيز على التفاصيل والقصص الفردية

على الرغم من تآكل فاعلية الصور، هناك طرق لاستعادة قدرتها على إحداث تغيير. من بين هذه الطرق:

  • التركيز على تفاصيل معينة وتسليط الأضواء على حالات فردية.
  • استلال قصص من الواقع تحفز الإحساس بما يجري ومواكبته وجدانيًا.

صرخات جسورة لإيقاظ الضمائر وتحريك المواقف

يبقى الرهان المركزي على استنفار استجابات طارئة وتوليد ردود أفعال متحفزة عبر الإقليم والعالم، تطلق صرخاتها الجسورة لإيقاظ الضمائر وتحريك المواقف، على نحو يضغط بصفة جادة وجريئة على صانعي القرار وأصحاب النفوذ.

مسؤولية الصمت والتراخي: تواطؤ مباشر وغير مباشر

لوحشية الإبادة والتجويع المصورة حلف دعمها وبررها وشجعها بالتواطؤ المباشر أو غير المباشر، وحفزها بالإسناد الصريح أو السكوت الآثم أو المواقف الباهتة. الانتقادات الفاترة والمناشدات الرخوة ضالعة أيضًا في تمرير هذه الوحشية، وإفساح الطريق لها كي تتواصل بلا هوادة.

الخلاصة: التراخي يغري بالتمادي

التراخي المستدام يغري الاحتلال بالتمادي والإسراف في الوحشية، ويمنح الانطباع بأن الأهوال الجارية تحت الأسماع والأبصار لا تستحق ردودًا صارمة أو خطوات عقابية. يجب علينا أن نرفض هذا التراخي، وأن نعمل معًا لاستعادة فاعلية صور الفظائع، وتحويلها إلى قوة دافعة للتغيير والعدالة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *