كنزٌ معرفيٌّ غنيٌّ: عالم النحو عبد الفتاح محمد حبيب

كنزٌ معرفيٌّ غنيٌّ: عالم النحو عبد الفتاح محمد حبيب

كنزٌ معرفيٌّ غنيٌّ: عالم النحو عبد الفتاح محمد حبيب

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التعلّم، ويشوبها أحيانًا فقدان الثقة في أهلية المدرسين، يبرز سؤالٌ مهمٌّ: كيف نميّز بين العلماء الحقيقيين وبين من يتّخذون من العلم واجهةً؟ يُسلّط هذا المقال الضوء على شخصيةٍ علميةٍ بارزةٍ، تُمثّل نموذجًا يحتذى به، ألا وهو الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمد حبيب.

أزمة الثقة في التعليم وتداعياتها

تُعاني العملية التعليمية في بعض الأحيان من أزمة ثقةٍ متزايدةٍ. فقدان مضمون الإجازة العلمية، مع بقاء الشكل السطحيّ، يُسهم في انتشار ظاهرتين خطيرتين:

  • التراخي في طلب العلم: فقدان الحافز والبوصلة الصحيحة في رحلة البحث عن المعرفة.
  • ظهور أشباه المتعلمين: انتشار الأفراد الذين يظهرون بمظهر العلماء، دون امتلاكهم للمعرفة والخبرة الحقيقية.

هذه الظواهر تؤدّي إلى ازدراء العلماء وعدم تقديرهم، ما يُهدّد مستقبل العلم نفسه. وقد ساهم ظهور "علماء اليوتيوب"، الذين يركزون على الشهرة دون العلم الحقيقي، في تفاقم هذه المشكلة. فعلى النقيض من العلماء الحقيقيين، يفتقر هؤلاء إلى الأسس العلمية المتينة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في مجالاتهم. يُذكّرنا هذا بحديثٍ نبويٍّ شريفٍ يُشير إلى تناقص العلم وزيادة الخطابة، مما يُشدّد على أهمية التمسّك بالمعرفة الأصيلة.

عبد الفتاح محمد حبيب: نموذجٌ يحتذى به

يُمثّل الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمد حبيب مثالاً يُبرز أهمية العلم الحقيقي والخبرة المتينة. لا يُمكن وصف هذا العالم إلاّ بالتميّز، فكلّ محاضرةٍ له تُشبه بحثًا علميًّا متكاملاً. لقد حظيتُ بمتابعة العديد من محاضراته وأبحاثه، ومنها:

  • "النحو العربي بين الصناعة والمعنى": محاضرةٌ تُجسّد مرونة العقلية النحوية وقوة الصلة بين النحو والمعاني. نُشرت هذه المحاضرة لاحقًا في كتابٍ صدر عن جامعة الأزهر.
  • "الأرقام العربية وما آلت إليه": محاضرةٌ تُقارن بين أصالة الأرقام العربية والأرقام الغبارية، مُستندةً إلى مصادرٍ موثوقةٍ مثل كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للدكتور جواد علي. وقد نُشرت هذه المحاضرة أيضًا في كتابٍ صدر عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
  • "الأرقام العربية القضية والحل": كتابٌ يُبرز اهتمام الأستاذ بالبحث في النوازل اللغوية والنحوية.

كما قام الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمد حبيب بدراسةٍ نقديةٍ مُتميّزةٍ لطبعات كتاب سيبويه، وشرحه في الجامع الأزهر، إلى جانب كتابة ما يقارب سبعين بحثًا في مختلف فنون العلم.

مدرسةٌ علميةٌ أصيلة

يتّصل الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمد حبيب بمدرسةٍ علميةٍ عريقةٍ، تُمثّلها شخصياتٌ مثل الرافعي، وآل شاكر، وعضيمة، والنفاخ، وغيرهم. تُشكّل هذه المدرسة سلسلةً متصلةً من المعرفة الأصيلة، التي تُجسّدها ثقافةٌ متكاملةٌ، كما وصفها أبو فهر محمود شاكر.

دعوةٌ إلى إحياء العلم الأصيل

يُثير المقال تساؤلًا مهمًّا: لماذا هذا التخاذل عن إحياء العلوم الإسلامية على أصولها؟ يُحذّر المقال من التركيز على الشهرة دون العلم الحقيقي، مُشدّدًا على أنّ مجرد حفظ المعلومات لا يُمثّل العلم الحقيقي. يُؤكّد على ضرورة إدراك الزوايا التي يمكن فيها التجديد، وكشف الحجب عن القضايا المهمّة، حتى لا تُصبح علومنا كرموزٍ مسماريةٍ لا تُقرأ ولا تُفيد. يُنهي المقال بدعوةٍ مُلحّةٍ إلى إدراك قيمة علوم أمتنا قبل فوات الأوان.

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *