مقدمة:
إن الانشغال بكتاب الله العزيز، تلاوةً وحفظًا ومراجعةً، وفهمًا لمعانيه السامية، ومعرفةً لأحكامه الرشيدة، وتدبرًا لأمثاله البليغة، واعتبارًا لمواعظه المؤثرة، وإدراكًا لمقاصده النبيلة، ودراسةً لمسائله العميقة، لهو أسمى ما يمكن للمرء أن يشغل به وقته، ويستثمر فيه عمره. إنه الاستثمار الأمثل للأيام والليالي، والغاية الأسمى التي تستحق أن تُفنى فيها الأعمار وتُبذل فيها الأنفاس.
فضل العناية بالقرآن:
لقد أدرك السلف الصالح عظيم فضل العناية بالقرآن، فجعلوه محور حياتهم ومنطلق تفكيرهم. يقول كعب الأحبار رضي الله عنه: "عليكم بالقرآن، فإنه فهم العقل، ونور الحكمة، وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرحمن عهداً". هذه الكلمات تلخص لنا المكانة الرفيعة التي يحتلها القرآن الكريم في حياة المسلم، فهو مفتاح الفهم الصحيح، ومصدر الحكمة الرشيدة، ومنهل العلوم والمعارف.
نماذج من اهتمام السلف بالقرآن:
-
مجاهد بن جبر: شيخ القراء والمفسرين، كان جل اهتمامه منصباً على كتاب الله، حتى غدا علمه مرادفاً للتفسير. كان يقول: "استفرغ علمي القرآن"، مما يدل على تفانيه في دراسة القرآن واستنباط معانيه.
-
مجاهد وعرض القرآن على ابن عباس: لم يكتف مجاهد بحفظ القرآن وتلاوته، بل حرص على فهم معانيه وتفسير آياته. روي عنه أنه عرض القرآن ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما، متوقفاً عند كل آية ليسأله عن سبب نزولها وظروفها، مما يبرز حرصه الشديد على التدقيق والتمحيص في فهم كتاب الله.
- الإمام القرطبي: يذكر في مقدمة تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" أن كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشريعة، فكان دافعه لكتابة تفسيره هو تخصيص عمره لخدمة القرآن، قائلاً: "رأيت أن أشتغل به مدى عمري، واستفرغ فيه مُنتي بأن أكتب تعليقاً وجيزاً، يتضمن نكتاً من التفسير، واللغات، والإعراب، والقراءات… وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملا صالحا بعد موتي". هذا يوضح كيف كان العلماء يرون في خدمة القرآن الكريم ذخيرة للآخرة وعملاً صالحاً يبقى أثره بعد الموت.
كيف نعتني بالقرآن في حياتنا؟
- التلاوة المنتظمة: تخصيص وقت يومي لتلاوة القرآن بتدبر وخشوع.
- الحفظ والمراجعة: السعي لحفظ ما تيسر من القرآن ومراجعة المحفوظ بانتظام.
- الفهم والتفسير: قراءة التفاسير الموثوقة لفهم معاني الآيات.
- التدبر والاعتبار: التأمل في معاني القرآن واستخلاص العبر والمواعظ.
- العمل بالقرآن: تطبيق أحكام القرآن في حياتنا اليومية.
- تعليم القرآن: نشر العلم بالقرآن وتعليمه للآخرين.
ختامًا:
إن العناية بالقرآن الكريم ليست مجرد واجب ديني، بل هي مفتاح السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. فلنجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور دروبنا، ولنجعل حياتنا كلها في خدمة هذا الكتاب العظيم.
اترك تعليقاً