كن عند الله غاليًا: قصص ترفع قدرك في الدنيا والآخرة
مقدمة:
في رحاب الإيمان، تتجلّى قيمة الإنسان الحقيقية لا بمظهره أو مكانته الدنيوية، بل بقربه من الله تعالى. فكم من شخص عاديٍّ، بل وربما دميم، ارتفع قدره عند الله حتى صار مضرب الأمثال. هذه المقالة تستلهم قصة زاهر رضي الله عنه، الصحابي الذي أحبه النبي صلى الله عليه وسلم رغم مظهره، لتسلط الضوء على المعاني العميقة للقيمة الحقيقية للإنسان عند الله، وكيف يمكننا أن نكون من الغالين عنده.
زاهر رضي الله عنه: درس في القيمة الحقيقية
روى الترمذي والبغوي قصة زاهر رضي الله عنه، البدوي الذي كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدايا، فيقابله النبي بالإحسان. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويقول: "إنَّ زاهرًا بادِيَتُنا ونحن حاضِروه". ورغم أن زاهرًا كان دميمًا، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضنه يومًا وهو يبيع متاعه، وعندما عرف زاهر أنه النبي، التصق بصدره. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: "من يشتري العبد؟" فقال زاهر: "يا رسول الله، إذًا تجدني كاسدًا". فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: "لكنَّك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسِدٍ، أو قال عندَ اللهِ أنت غالٍ".
هذه القصة تحمل في طياتها درسًا عظيمًا: أن القيمة الحقيقية للإنسان لا تكمن في مظهره أو ثروته، بل في مكانته عند الله. فالله يرفع قدر من ينصر دينه وأمته. فكيف نكون من هؤلاء؟
أولًا: غالٍ بعقيدتك الراسخة
العقيدة الصحيحة هي أساس كل خير، وهي العروة الوثقى التي لا تنفصم.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت أبو بكر وأعلن للناس موته صلى الله عليه وسلم، وتلا قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
- الإمام أحمد رحمه الله: رفض مساومة المعتزلة على عقيدته، وأصر على أن القرآن كلام الله، مفضلًا العذاب على التنازل عن الحق.
- سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما: رفض أن يكون سببًا في هزيمة المسلمين يوم اليمامة، مفضلًا الموت على خيانة الأمانة.
- خالد بن الوليد رضي الله عنه: في معركة اليرموك، عندما سأله أحد المسلمين عن الملتجأ، أجاب: "لا إلى سلمى ولا إلى أجا، بل إلى الله الملتجا".
- بلال بن رباح رضي الله عنه: عذِّب في الله كثيرًا، لكنه ظل يردد: "أحدٌ أحد"، حتى رفعه الله فوق الرؤوس ليؤذن.
ثانيًا: غالٍ بعبادتك الخالصة
العبادة هي الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهي التي تزكي النفس وترفعها.
- عثمان بن عفان رضي الله عنه: كان يقرأ القرآن في ركعة واحدة، وكان رقيق القلب غزير الدمع.
- أبو مسلم الخولاني رحمه الله: كان يجتهد في العبادة حتى كان يُكلف نفسه فوق ما تريد، وكان يعلق سوطًا في مسجده ليؤدب نفسه إذا فترت.
- أبو حنيفة رحمه الله: كان يحيي الليل صلاة وتضرعًا ودعاءً، ويسمى الوتد لكثرة صلاته.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كان يصلي في مسجد عند باب داره ويبكي عند قراءة القرآن.
ثالثًا: غالٍ بتضحياتك في سبيل الله
التضحية هي قمة الإيثار، وهي دليل على صدق المحبة لله تعالى.
- عمير بن الحمام رضي الله عنه: في غزوة بدر، رمى تمراته وانطلق للقتال في سبيل الله، مفضلًا الجنة على الحياة الدنيا.
- عثمان بن عفان رضي الله عنه: هاجر الهجرتين، وحفر بئر رومة، وجهز جيش العسرة، وتصدق بماله في سبيل الله.
- صهيب الرومي رضي الله عنه: ترك ماله كله لقريش ليتمكن من الهجرة إلى المدينة، مفضلًا رضا الله على متاع الدنيا.
- عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: عندما أسلم، حرّم على نفسه كلام رجال قومه ونسائهم حتى يؤمنوا بالله ورسوله.
من رخص عند الله وعند الناس:
على النقيض، هناك من يظنون أنهم يفعلون الخير، لكنهم في الحقيقة يبحثون عن الشهرة والثناء، وهؤلاء هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة:
- المجاهد الذي قاتل ليقال جريء: بدلًا من الإخلاص لله، قاتل ليقال عنه شجاع، فخاب سعيه.
- العالم الذي تعلم ليقال عالم: بدلًا من نشر العلم ابتغاء وجه الله، تعلم ليقال عنه عالم، فخاب سعيه.
- المنفق الذي أنفق ليقال جواد: بدلًا من الإنفاق في سبيل الله، أنفق ليقال عنه كريم، فخاب سعيه.
الخلاصة:
القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في قربه من الله تعالى، وفي عقيدته الراسخة، وعبادته الخالصة، وتضحياته في سبيل الله. فلنجعل هدفنا أن نكون من الغالين عند الله، لننال الفوز في الدنيا والآخرة.
اترك تعليقاً