كيف تحافظ على ثباتك الديني في زمن الفتن؟


الفتن اختبار عظيم، ومزالقها خطيرة، وتأثيرها على النفوس عميق. قليلون هم الذين ينجون من شرها وضررها. فكيف يمكن للمؤمن أن يحافظ على ثباته في زمن الفتن؟ هذا المقال يستعرض أهم العوامل التي تساعد على ذلك، مستندًا إلى الكتاب والسنة.

خطورة الفتن وتأثيرها على المؤمن

الفتن ليست مجرد صعوبات عابرة، بل هي اختبار حقيقي لإيمان المؤمن. قد تؤدي إلى انحرافه عن الطريق المستقيم، ووقوعه في:

  • الكفر
  • الشرك
  • النفاق
  • البدع
  • القتل
  • الأهوال العظيمة

وهي خسارة عظيمة وهلاك كبير. فما هي السبل التي تعين على الثبات؟

عوامل الثبات على الدين في زمن الفتن

هناك عدة عوامل أساسية تساعد المؤمن على الثبات على دينه في زمن الفتن، منها:

1. الاستعاذة بالله من الفتن

الاستعاذة بالله هي أقوى سلاح لمواجهة الفتن. باللجوء إلى الله، والاستعانة به في دفع شرورها، والتحرز من الوقوع فيها، والحماية من مفاسدها، والثبات على الإسلام.

  • سنة نبوية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفتن ويأمر غيره بذلك. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ». (رواه البخاري ومسلم).

  • كلمة جامعة: قال ابن بطال رحمه الله: "هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة، وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل، ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك".

فمن لجأ إلى الله واعتمد عليه واستعان به، فقد آوى إلى ركن ركين وناصر لا يهزم.

2. تجنب الفتن والفرار منها

الابتعاد عن مواطن الفتن وأسبابها هو صمام أمان للمؤمن.

  • تحذير إلهي: قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]. هذه الآية تحذر المؤمنين من الفتن وتأمرهم باجتنابها والابتعاد عنها وعن أهلها.

  • توجيه نبوي: حث النبي صلى الله عليه وسلم على اجتناب الفتن والبعد عنها والهرب منها، فقال: «سَتَكُونُ فِتَنٌ: الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا؛ تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ» (رواه البخاري).

فكلما ابتعد الإنسان عن الفتن، كان أسلم له في دينه. والسعيد هو الذي جنب الفتن وفر منها.

3. الصبر عند وقوع الفتن

الصبر هو العلاج الناجع الذي يكشف داء الفتن.

  • اختبار إيماني: قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3].

  • دواء الفتنة: قال ابن القيم رحمه الله: "ليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له، ومخلصة من الذنوب".

الصبر يُميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.

4. المبادرة إلى الطاعات عند وقوع الفتن

العبادة تقوي صلة العبد بربه وتحميه من الفتن.

  • دعوة نبوية: حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسارعة إلى الأعمال الصالحة عند حلول الفتن، فقال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (رواه مسلم).

  • العبادة كهجرة: العبادة وقت نزول الفتن بمنزلة الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» (رواه مسلم).

5. تمني الموت عند الفتن المهلكة

عندما يصبح الدين في خطر، فالموت خير من الفتنة التي تذهب به.

  • الموت خير من الفتنة: قال صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ؛ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ؛ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ» (رواه أحمد).

  • دعاء الأنبياء: تمني مريم عليها السلام الموت دليل على جواز ذلك عند الخوف من الفتنة.

خاتمة

الثبات في زمن الفتن ليس بالأمر الهين، ولكنه ممكن بالاستعانة بالله، وتجنب أسباب الفتن، والصبر عليها، والمبادرة إلى الطاعات، وتمني الموت عند الخوف من ضياع الدين. فنسأل الله الثبات على الحق حتى الممات.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *