في لحظة تاريخية هزت أركان الدعاية الصهيونية، فاز الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والتسعين. هذا الفوز لم يكن مجرد تتويج لعمل فني، بل كان صفعة مدوية كشفت زيف الرواية الإسرائيلية، وأضاءت على معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.
صرخة مدوية في وجه التضليل
لم يتمالك وزير الثقافة الإسرائيلي "ميكي زوهار" نفسه، فوصف الفوز بأنه "لحظة حزينة لعالم السينما"، مدعيًا أن الفيلم "يشوه صورة إسرائيل في العالم". هذا التصريح يعكس حالة الهلع التي أصابت المؤسسات الداعمة للكيان الصهيوني، والتي اعتادت على تزييف الحقائق وتجاهل جرائم الاحتلال.
"لا أرض أخرى": شهادة حية على مأساة مستمرة
الفيلم، الذي أخرجه الرباعي باسل عدرا، حمدان بلال، يوفال إبراهيم، وراحيل تسور، يوثق على مدار 95 دقيقة، ممارسات التهجير القسري التي يتعرض لها الفلسطينيون في منطقة "مسافر يطا" بالضفة الغربية منذ عام 2019. من خلال عدسة الكاميرا، ينقل الفيلم صورًا صادمة لعمليات هدم المنازل، وتدمير الممتلكات، والاعتداءات الوحشية التي يرتكبها جنود الاحتلال والمستوطنون بحق المدنيين العزل.
فيلم من رحم التناقض
يكمن سر قوة هذا الفيلم في التناقض الظاهر الذي يجمع بين مخرجيه، فلسطينيين وإسرائيليين، متحدين لإظهار الحقيقة وكشف زيف الاحتلال. هذا التعاون غير المسبوق يرسل رسالة قوية مفادها أن العدالة لا تعرف جنسية أو عرقًا، وأن التضامن الإنساني هو السلاح الأمضى في مواجهة الظلم.
الكاميرا سلاح في وجه الاحتلال
"لا أرض أخرى" منح الفلسطينيين سلاحًا فتاكًا: الكاميرا. هذه الأداة البسيطة تحولت إلى صاروخ قسامي، يخترق الحواجز ويفضح جرائم الاحتلال أمام العالم أجمع. الفيلم كشف عن تصدع الرواية الإسرائيلية، وعصف بالطمأنينة المصطنعة التي حاولت "إسرائيل" فرضها على الرأي العام العالمي.
باسل عدرا ويوفال إبراهيم: قصة تضامن في زمن الانقسام
يناضل باسل عدرا، أحد أبطال الفيلم، منذ طفولته ضد التهجير القسري الذي يمارسه الاحتلال بحق أهله في "مسافر يطا". بالتعاون مع الناشط الإسرائيلي يوفال إبراهيم، يوثق باسل بالكاميرا الدمار المتواصل الذي يلحق بالمنطقة، ويكشف عن معاناة السكان الفلسطينيين الذين يُحرمون من حقهم في العيش على أرضهم.
يقول باسل عدرا: "الفيلم يعكس الواقع القاسي الذي نعاني منه منذ عقود، وما زلنا نقاومه، وندعو العالم إلى اتخاذ إجراءات جدية لوقف الظلم، ووقف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني".
ويضيف يوفال إبراهيم: "صنعنا هذا الفيلم، ونحن فلسطينيون وإسرائيليون؛ لأن أصواتنا معًا أقوى، فنحن نرى بعضنا البعض، ونرى الدمار الوحشي الذي حل بغزة وشعبها، والذي يجب أن ينتهي".
جدل في ألمانيا وجوائز عالمية
أثار الفيلم جدلًا واسعًا في ألمانيا بعد عرضه في مهرجان برلين، حيث طالب باسل عدرا الحكومة الألمانية بالتوقف عن تصدير السلاح إلى "إسرائيل". على الرغم من محاولات التشويه والاتهامات بمعاداة السامية، حصد الفيلم العديد من الجوائز المرموقة، بما في ذلك:
- جائزة جمهور البانوراما عن فئة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان برلين السينمائي الدولي.
- جائزة بيرلينالي عن فئة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان برلين السينمائي الدولي.
- جائزة الجمهور من مهرجان كوبنهاجن الدولي للأفلام الوثائقية.
- جائزة الجمهور من مهرجان رؤى الواقع الدولي للأفلام الوثائقية في سويسرا.
- جائزتَي: جراند بيكس، والجمهور من مهرجان MDAG في بولندا.
- جائزة الجمهور من مهرجان فانكوفر الدولي للأفلام.
- جائزة بوسان لعشاق السينما من مهرجان بوسان السينمائي الدولي.
- جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والتسعين.
السينما الوثائقية: سلاح المقاومة
تعتبر السينما الوثائقية الفلسطينية واحدة من أقوى وسائل التعبير الحديثة، فهي لا تقتصر على توثيق الأحداث، بل تفتح نافذة لتسليط الضوء على العواطف، والحقائق، والصراعات التي قد لا تكون معروفة للعالم. من خلال قصص الأفراد وحكاياتهم اليومية، تقدم السينما الوثائقية الفلسطينية شهادة حية على صمود شعب ما يزال يتمسك بهويته وأرضه، برغم محاولات الاحتلال المتكررة لتهجيره وتصفية هذه الهوية.
انتصار في أكبر المحافل الفنية
الفوز الذي حظي به فيلم "لا أرض أخرى" لا يمثل مجرد إنجاز سينمائي، بل هو انتصار لصوت الشعب الفلسطيني في واحد من أكبر المحافل الفنية العالمية. إنه شهادة حية على كفاح الفلسطينيين ضد التهجير القسري، وتأكيد على أن المقاومة تكون بالفن أيضًا.
رسالة إلى العالم
فيلم "لا أرض أخرى" ليس مجرد فيلم، بل هو دعوة إلى إيقاظ الضمير العالمي بشأن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. إنه تذكير بأن التحدي لا يتوقف، وأن الأمل دائمًا موجود، وأن معركة الفلسطينيين من أجل الأرض، والهوية، والكرامة، والوجود، ستستمر حتى يتحقق النصر.
اترك تعليقاً