لماذا يتبع الضعفاء الرسل؟ حكمة الابتلاء وقيم الآخرة


لماذا يتبع الضعفاء الرسل؟ حكمة الابتلاء وقيم الآخرة

مقدمة: حكمة الله في اختيار الأتباع

لطالما كانت ظاهرة اتباع البسطاء والفقراء للرسل والأنبياء، بينما يترفع عنها السادة والأغنياء، محط تساؤل وجدال. فهل يدل هذا على ضعف الدين؟ أم أن هناك حكمة إلهية أعمق وراء هذا الاختيار؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذه القضية، مستعرضًا آيات القرآن الكريم وأقوال العلماء، لنفهم لماذا قد يختار الله الضعفاء ليكونوا من أوائل المؤمنين.

استعلاء الأغنياء واستكبارهم

تاريخيًا، غالبًا ما استنكر الأغنياء والأشراف اتباعهم للرسل، واعتبروا ذلك انتقاصًا من مكانتهم الاجتماعية ورياستهم. كما قال قوم نوح عليه السلام: "أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ" (الشعراء: 111). هذا الاستعلاء نابع من رؤيتهم أنفسهم أعلى شأنًا من غيرهم، وأن اتباعهم لشخص يعتبرونه أقل منهم مرتبة يمثل إهانة لهم.

  • الغرور بالمال والجاه: يرى المستكبرون أن اتباع الرسل يقلل من عظمتهم ويضعهم في صفوف الدهماء.
  • التمسك بالسلطة: يرفضون أن يكونوا تابعين بعد أن كانوا متبوعين.
  • القياس الخاطئ: يقيسون صلاح الدين بصلاح الدنيا، فلو كان دين هؤلاء حقًا لأعطوا من الدنيا أكثر منهم.

الدنيا فتنة واختبار

الدنيا ليست معيارًا للصلاح أو الفلاح. فالله تعالى جعل الدنيا فتنة واختبارًا للعباد، وليست مقياسًا للدين الحق. فلو كانت الدنيا تُنال بالدين، لآمن الناس كلهم. ولو كان مال العبد على قدر صلاحه، لصلح العباد كلهم.

  • الابتلاء بالرخاء والشدة: يبتلي الله الناس بالرخاء والشدة، ليتبين الصادق من الكاذب.
  • الآخرة هي الجزاء الحقيقي: الآخرة تُنال بالإيمان والعمل الصالح، وهي الجزاء الحقيقي الذي يجب أن يسعى إليه المؤمن.

ضعف المؤمنين فتنة للكافرين

غالبًا ما استخدم الكفار ضعف المؤمنين وفقرهم كدليل على بطلان دينهم. لكن هذا القياس خاطئ، فالله تعالى يبتلي المؤمنين بالضعف والفقر لعدة أسباب:

  1. عدم طلب الدنيا بالدين: حتى لا يطلب الناس الدين من أجل الدنيا، بل من أجل الآخرة.
  2. تمييز الصادق من الكاذب: حتى لا يلتزم بالدين الحق إلا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها.
  3. إظهار الشاكرين: ليميز الله الشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم.

نظرة الإسلام إلى الغنى والفقر

الإسلام لا يحتقر الفقراء ولا يقدس الأغنياء. فالمعيار الحقيقي عند الله هو التقوى والعمل الصالح.

  • التقوى هي المعيار: قال تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13).
  • القلوب والأعمال محل النظر: في الحديث الصحيح: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَلْوَانِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
  • الجنة مأوى الضعفاء: الجنة مأوى الضعفاء والمساكين، والنار مأوى المتكبرين والمتجبرين.

وعود الله للمؤمنين

يجب على المؤمنين أن يثقوا بوعد الله بالنصر والتمكين، وأن يظنوا بربهم خيرًا. فالله لا يختار للمؤمن إلا ما هو خير له، مهما كان ابتلاؤه في الدنيا.

  • النصر والتمكين: وعد الله المؤمنين بالنصر والتمكين في الدنيا والآخرة.
  • الاختيار الإلهي: يجب على المؤمن أن يرضى باختيار الله له، فلو كُشف له القدر لما حاد عن اختيار الله.
  • نعيم القلب: النعيم الحقيقي هو نعيم القلب، والعذاب الحقيقي هو عذاب القلب.

خاتمة: لا تغرنكم الدنيا

لا تغتروا ببهرج الدنيا وأهلها، ونعيمهم فيها، فإنه نعيم منغص بالهم والقلق والخوف، وهو إلى زوال. فنعيم الآخرة خير وأبقى، وهو الجزاء الحقيقي للمؤمنين.

  • الآخرة خير وأبقى: ما عند الله خير للأبرار.
  • الاستعداد للآخرة: يجب على المؤمن أن يستعد للآخرة بالعمل الصالح والتقوى.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *