ليبيا: متاهة سياسية أم فرصة للحل؟
الأزمة الليبية، للوهلة الأولى، تبدو كشبكة معقدة من القضايا الدستورية والسياسية المتداخلة. ولكن بالتمعن، نجد أن هذه التعقيدات مترابطة بشكل وثيق، حيث أن أي تغيير بسيط في أحد العناصر قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد بأكمله.
مراسيم رئاسية مثيرة للجدل
مؤخرًا، أصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، ثلاثة مراسيم تتعلق بالمحكمة الدستورية، ومؤتمر المصالحة الوطنية، وتشكيل مفوضية الاستفتاء. أثارت هذه المراسيم تساؤلات حول مدى صلاحياته، خاصة في ظل غياب دستور واضح يحدد هذه الصلاحيات.
- المحكمة الدستورية: هل يملك المجلس الرئاسي صلاحية إصدار مراسيم تتعلق بعمل المحكمة الدستورية؟
- مؤتمر المصالحة الوطنية: ما هو الإطار القانوني الذي يستند إليه هذا المؤتمر؟
- مفوضية الاستفتاء: هل تشكيل هذه المفوضية يتماشى مع الإجراءات الدستورية والقانونية المعمول بها؟
تقارب حذر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة
تأتي هذه المراسيم في وقت يشهد تقاربًا حذرًا بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مع مساعٍ أممية للكشف عن مخرجات اللجنة الاستشارية. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات عميقة لم يتم حلها بعد.
آراء متباينة حول شرعية المراسيم
- المجلس الأعلى للدولة: تعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة، أمينة المحجوب، أن مراسيم المنفي "أحادية ومجردة من أي غطاء دستوري"، وتفتقر إلى أي أثر قانوني في ظل وجود سلطة تشريعية قائمة.
- مجلس النواب: يرى عضو مجلس النواب، عبد المنعم العرفي، أن هذه المراسيم "تفتقر للصفة القانونية"، ويكشف عن تحركات برلمانية لردّها ورفضها جملة وتفصيلا.
- آراء أخرى: يرى النائب علي السويح أن بعض المراسيم مقبولة من حيث المبدأ، لكنه يتحفظ على طريقة إصدارها بشكل منفرد دون توافق بين الأطراف.
هل المؤسسات الحالية شرعية؟
يصف الأكاديمي القانوني فيصل الشريف جميع الكيانات السياسية الحالية -بما في ذلك البرلمان- بأنها غير شرعية، مشيرًا إلى أن ولاية البرلمان انتهت بعد سنة ونصف السنة من انتخابه.
التفاهم بين المجلسين وتشكيل حكومة موحدة
على الرغم من الخلافات، تلوح في الأفق مؤشرات على تفاهم سياسي بين مجلسي النواب والدولة، مع تصاعد الحديث عن تشكيل حكومة موحدة كأولوية.
- تفاهم فعلي: يؤكد النائب عبد النبي عبد المولى أن التفاهم بين المجلسين "فعلي"، ويتوقع تشكيل حكومة موحدة بحلول يونيو/حزيران المقبل.
- تواصل سياسي متقدم: تؤكد أمينة المحجوب وجود تواصل سياسي متقدم بين المجلسين، معتبرة أن الدفع نحو تشكيل حكومة موحدة يُناقش بجدية.
التوافق بين المجلسين: استحقاق لا خيار
يرى عضو مجلس الدولة، أحمد لنقي، أن التوافق بين المجلسين لم يعد خيارًا سياسيًا، بل أصبح "استحقاقا لا مناص منه"، لتمرير الاتفاق السياسي، وتقاسم المناصب السيادية، ومراجعة السياسات الاقتصادية والمالية، والبدء بمسار إصلاحي شامل.
عقبات أمام التوافق
يخالف مقرر المجلس الأعلى للدولة، القاسم دبرز، هذا الطرح، مشيرًا إلى عدم وجود مؤشرات جدية للتوافق حول المواد الخلافية، خصوصًا ما يتعلق بشروط الترشح.
مسألة شرعية رئاسة مجلس الدولة
أثيرت أيضًا مسألة شرعية رئاسة مجلس الدولة، حيث دعا عضو المجلس، محمد تكالة، إلى انتخابات مبكرة لمكتب رئاسة المجلس.
سيناريوهات محتملة للمرحلة القادمة
- حكومة تنفيذية جديدة: قد يتم تشكيل حكومة تنفيذية جديدة برعاية التفاهمات بين المجلسين أو ضمن صيغة توافقية وسطية.
- حكومة تنسيقية: قد يتم طرح خيار "الحكومة التنسيقية" كتسوية واقعية لتجاوز الانقسام.
اللجنة الاستشارية الأممية: خلافات في الأولويات
كشف مصدر خاص عن أن النقاشات داخل اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لم تكن خلافية بالمعنى التقليدي، بل اتسمت باختلاف في ترتيب الأولويات.
استباق المخرجات الأممية
يرى المحلل السياسي فرح فركاش أن تحركات المجلس الرئاسي والبرلمان الأخيرة تأتي كنوع من الاستباق لمخرجات اللجنة الاستشارية.
ربط الانتخابات التشريعية بالرئاسية: تحديات كبيرة
يشير فركاش إلى أن بعض الأطراف تسعى لربط إجراء الانتخابات التشريعية بالاستحقاق الرئاسي، رغم تعذّر ذلك في ظل الانقسام الأمني والسياسي، مما قد يُبقي الوضع على حاله.
في الختام: ليبيا تقف اليوم على مفترق طرق، حيث تتشابك المبادرات الداخلية مع الجهود الأممية في محاولة لإيجاد حل للأزمة المستمرة. يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق الاستقرار والوحدة في ليبيا؟
اترك تعليقاً