محاسن نظام الميراث في الإسلام: عدل، رحمة، وحكمة إلهية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
مقدمة: خلق الله الإنسان وملكّه الأرض
خلق الله تعالى الإنسان وسخّر له الأرض وما عليها، وبارك له في منتوجها، فسعى فيها، وحراثها، وزرعها، وعمرها، واستخرج ثرواتها. وإذا ذهب جيل من البشر، خلفه جيل يرث ماله وممتلكاته، ويكمل وظيفته في عمارة الأرض. ولأهمية الأموال والممتلكات، نظّم الله تعالى الميراث، وأنزل فيه ثلاث آيات في سورة النساء، مفصلاً أحكامها، مبيناً حقوق الورثة في مال مورّثهم، قائلاً سبحانه وتعالى: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11].
محاسن نظام الميراث في الإسلام:
يُظهر نظام الميراث في الإسلام العديد من المحاسن، نذكر منها:
1. تولي الله تعالى قسمة الميراث:
الله سبحانه وتعالى هو الذي تولى قسمة الميراث، وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين. وقد جعل هذه القسمة في كتابه العزيز، القرآن الكريم، الذي يتعبد المسلمون بتلاوته وحفظه، ليعرفوا حكم الله في الميراث في كل مرة يتلون آياته. وقد ختم الله تعالى آخر آية في الميراث بقوله سبحانه: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: 176].
2. تطيب القلوب وإرضاء الأقارب:
شرع الإسلام في نظام الميراث ما يُطيب قلوب من حضروا القسمة من القرابة وغيرهم ممن لا ميراث لهم، وذلك بقول حسن يرضيهم، وإعطائهم شيئاً من الميراث يُجبر قلوبهم، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 8]. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الله جل وعز المؤمنين عند قسمة مَوارِيثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوصية، فإن لم تكن وصية، وصِل لهم من الميراث».
3. حماية حقوق الضعفاء:
لم يُحرم الإسلام الضعفاء من النساء والصبيان من الميراث، بل هم والكبار سواء بحسب صلتهم بمورّثهم، كما جاء في قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7]. وقد نقل عن العرب في الجاهلية قولهم: «لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة»، وكذلك اليهود لم يكونوا يُورثون النساء إلا في حالات قليلة، أما النصارى فلا نظام لهم في دينهم المُحرف يضبط الميراث، بل يتفق الورثة على اقتسامه أو تُحكم فيه القوانين الوضعية. أما الإسلام فيحفظ حق الصغار من الميراث إلى أن يرشدوا، فيُدفع إليهم ميراثهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ…﴾ [النساء: 6].
4. حق المورّث في الوصية:
أعطى الإسلام المورّث الحق في الوصية بالثلث وما دونه، ليجعله في وقف على أعمال الخير التي تنفعه بعد موته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». أو يُوصي لعزيز على قلبه، بشرط ألا يكون وارثاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث». وذلك لأن الوصية لأحد الورثة دون غيره مما يزرع الضغائن والأحقاد.
5. مراعاة قرابة الوارث:
راعَ الإسلام قرابة الوارث من المورّث، فجعل الأقرب أحظّ بالميراث من غيره. وهناك ستة من الورثة، من وجد منهم لا يُحجب أبداً: الأب، الأم، الزوج، الزوجة، الابن، والبنت. كما راعى الإسلام حاجة الورثة، فجعل حق الأولاد في الميراث أكثر من حق الوالدين، مع عظيم حق الوالدين، وذلك باعتبار أن الوالدين كبيران مُدبران عن الدنيا، فيكفيهما القليل، بينما أحفادهما شباب وصغار مُقبلون على الدنيا، يحتاجون إلى نفقات بعد موت عائلهم.
6. العدل بين الذكور والإناث:
من محاسن الميراث في الإسلام العدل بين الذكور والإناث، فهو ليس مُساواةً كما في القوانين الوضعية، التي تعتبر ظُلماً وبغياً وعدواناً. فالزوج في الإسلام يرث النصف أو الربع، بينما ترث الزوجة الربع أو الثمن. وإذا اجتمع الأبناء مع البنات، فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وهذا راجع إلى أن الإنفاق منوط بالرجال، وهم الذين يقومون برعاية النساء وكفايتهن وحمايتهن، كما في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]. وبهذا نعلم أن بدعة المساواة بين الرجال والنساء مُخالفة للإسلام، وضحيّتها المرأة والأُسرة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اترك تعليقاً