تشهد العاصمة العمانية مسقط انطلاق جولة رابعة من المفاوضات الحساسة بين الولايات المتحدة وإيران، وسط ترقب دولي وقلق متزايد بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. تتصدر الخلافات العميقة حول تخصيب اليورانيوم جدول الأعمال، حيث تصر طهران على حقها في التخصيب، بينما تعتبره واشنطن "خطًا أحمر" وتطالب بوقفه.
توقيت حرج وتحديات جمة
تأتي هذه الجولة من المفاوضات في توقيت بالغ الأهمية، قبل أيام قليلة من جولة إقليمية مرتقبة للرئيس الأميركي تشمل دولًا خليجية حيوية مثل قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. يضيف هذا التوقيت بُعدًا إضافيًا من الضغط على المفاوضات، حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز موقفها الإقليمي قبل انعقاد القمة.
كان من المقرر أصلاً عقد هذه الجولة في روما، لكن تم تأجيلها لأسباب مختلفة، حيث عزت بعض المصادر التأجيل إلى "خلافات وصعوبات أولية في المواقف التفاوضية"، بينما أشارت سلطنة عمان، الوسيط الرئيسي في هذه المحادثات، إلى "أسباب لوجستية" بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران.
من يمثل الطرفين وما هي المطالب؟
يمثل الولايات المتحدة في هذه الجولة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما يترأس الوفد الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، بالإضافة إلى فريق من الخبراء والمتخصصين.
تتركز المفاوضات حول جوانب رئيسية في البرنامج النووي الإيراني، وعلى رأسها:
- مخزون اليورانيوم المخصب: تسعى واشنطن إلى تقييد حجم المخزون الإيراني.
- وتيرة أنشطة التخصيب: تطالب الولايات المتحدة بوقف أو تقليل وتيرة تخصيب اليورانيوم.
- مستوى التخصيب: ترفض واشنطن استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وتعتبره انتهاكًا لاتفاق 2015.
"الخط الأحمر" الأميركي: لا تخصيب ولا تسليح
أكد المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن "الخط الأحمر" بالنسبة لواشنطن هو "لا تخصيب"، وهو ما يعني تفكيك المنشآت النووية الإيرانية بالكامل في نطنز وفوردو وأصفهان. وشدد على أن استمرار المحادثات يعتمد على تحقيق تقدم ملموس، وإلا ستضطر الولايات المتحدة إلى "سلك مسار مختلف".
رد إيراني حازم: لن نتنازل عن حقوقنا النووية
في المقابل، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران "لن تقبل التنازل عن حقوقها النووية"، مشددًا على أن طهران مستعدة للتفاوض بنية حسنة، ولكنها لن تتخلى عن أي من حقوقها النووية.
يرى مسؤولون إيرانيون أن التفاوض على بعض القيود على الأنشطة النووية ممكن مقابل رفع العقوبات، لكن إنهاء برنامج التخصيب أو تسليم مخزون اليورانيوم المخصب يمثل "خطوطًا حمراء إيرانية لا يمكن المساس بها".
مطالب إضافية وتعقيدات متزايدة
بالإضافة إلى الخلافات حول البرنامج النووي، ترفض إيران بشكل قاطع التفاوض بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية، وتطالب بضمانات قاطعة بعدم انسحاب الولايات المتحدة مرة أخرى من الاتفاق النووي، على غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.
مستقبل المفاوضات: سيناريوهات محتملة
تتسم هذه المفاوضات بالتعقيد والحساسية، وتعتبر ذات أهمية بالغة لتحديد مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك الاستقرار الإقليمي. تتضمن السيناريوهات المحتملة:
- تحقيق اختراق: إمكانية التوصل إلى اتفاق مرحلي يقيد الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع بعض العقوبات.
- جمود المفاوضات: استمرار الخلافات العميقة وعدم إحراز تقدم ملموس، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات.
- العودة إلى "الضغط الأقصى": احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى سياسة "الضغط الأقصى" من خلال فرض عقوبات جديدة وتشديد القيود على إيران.
مخاوف إقليمية ودعوات إلى تفكيك البرنامج النووي
تراقب الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، البرنامج النووي الإيراني عن كثب، وتتهم طهران بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية، وهو ما تنفيه إيران بشدة. دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تفكيك المنشآت النووية الإيرانية ووقف برنامجها للصواريخ الباليستية كشرط أساسي لأي اتفاق ذي مصداقية.
خيارات أوروبية محدودة
تدرس الحكومات الأوروبية إمكانية تفعيل آلية "العودة السريعة" بموجب اتفاق 2015، والتي من شأنها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، لكن هذا الخيار ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
تبقى الأنظار متجهة إلى مسقط، حيث تتواصل المفاوضات في محاولة لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية، وتجنب تصعيد إقليمي قد تكون له عواقب وخيمة.
اترك تعليقاً