نور العلم: سراجٌ يُضيء الدُّنيا والآخرة
يُعدُّ العلمُ من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، فهو نورٌ يُضيء القلوبَ والعقولَ، ويهدي إلى سبيل الرشاد في الدنيا والآخرة. فحديثنا اليوم يدور حول أهمية العلم وفوائده الجمة، وكيف أنه يُعدُّ سراجًا يُنير دربَ الإنسان في كُلِّ مناحي الحياة.
فضل العلم ومكانته السامية
يُعتبر العلمُ من أعظم الميراث الذي ورثه الإنسان عن الأنبياء والرسل، وهو سبيلٌ للسمو والرفعة، فمن يطلبه بجد وإخلاص ينال منافعَ جمة في الدنيا والآخرة. كما أنَّه يمنح صاحبه عزًا وهيبةً لا تُقاس بالمالِ أو السلطان، بل تُقاس بقيمةِ المعرفةِ التي يحملها. فالعلمُ جمالٌ ونسبٌ لا يُجفى، ولا يُورث عن الأعمام، ولا يُكتسب إلا بالاجتهاد والمثابرة. هذا ما أكَّدته آياتٌ قرآنيةٌ كريمةٌ، كقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11]. ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
مقارنة نور العلم بنور الشمس والقمر
يُشبه بعض العلماء نور العلم بنور الشمس والقمر، إلا أنَّ نور العلم يفوقهما بكثير. فالشمسُ والقمرُ يغيبان، بينما نورُ العلم لا يغيبُ ليلًا ولا نهارًا، بل يزدادُ تألقًا في الليل، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]. كما أنَّ الشمسَ والقمرَ قد ينفعان وقد يضران، بينما العلمُ ينفعُ ولا يضرُّ بشرطِ استخدامه في الخير. فضلاً عن أنَّ نورَ الشمسِ والقمرِ يقعُ على الوليِّ والعدوِّ، بينما نورُ العلمِ لا يُنالُ إلا للوليِّ الصالح. أخيرًا، فإنَّ العلمَ يُبيِّضُ الأشياءَ، بينما الشمسُ تُسوِّدُها، والعلمُ ينجّي من النارِ، بينما الشمسُ تحرق.
العلم: حياةٌ ونورٌ، والجهلُ: موتٌ وظُلمةٌ
يُمثلُ العلمُ الحياةَ والنورَ، بينما يُمثلُ الجهلُ الموتَ والظلامَ. فالعلمُ يُكشفُ عن حقائقِ الأشياءِ، ويُبيِّنُ مراتبها، بينما الجهلُ هو سببُ الشرِّ كله. وقد أشار العديدُ من العلماءِ إلى هذه الحقيقةِ، موضحين أنَّ العلمَ هو الطريقُ إلى معرفةِ اللهِ تعالى، وأدائهِ العباداتِ على أكملِ وجهٍ. فمن لم يتعلم، فقد فاته الكثير من وسائل التقرب إلى الله عز وجل.
أوجه فضل العلم على المال
يُروى عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال إنَّ العلمَ أفضلُ من المالِ لسبعةِ أوجهٍ:
- العلمُ ميراثُ الأنبياءِ، والمالُ ميراثُ الفراعنةِ.
- العلمُ لا ينقصُ بالإنفاقِ، والمالُ ينقصُ به.
- المالُ يحتاجُ إلى حافظٍ، والعلمُ يحفظُ صاحبه.
- إذا ماتَ الرجلُ خلَّفَ مالهُ وراءَه، والعلمُ يدخلُ معهُ في قبره.
- المالُ يحصلُ للمؤمنِ والكافرِ، والعلمُ لا يحصلُ إلا للمؤمنِ.
- جميعُ الناسِ محتاجونَ للعالمِ في أمورِ دينهم، ولا يحتاجونَ لصاحبِ المالِ.
- العلمُ يُقوّي صاحبه عند المرور على الصراط، والمالُ يمنعه منه.
العلمُ سبيلُ التقدمِ والرقي
تُعتبرُ الأممُ التي تهتمُّ بالعلمِ والبحثِ العلميِّ من الأممِ المتقدمةِ والمتطورةِ، بينما الأممُ التي تهملُ العلمَ تبقى متخلفةً. فالعلمُ هو أساسُ التقدمِ والرقيِّ في جميعِ المجالاتِ، وهو الذي يُمكِّنُ الأممَ من مواجهةِ التحدياتِ وتحقيقِ النجاحِ. ولقد كان المسلمونُ في عصورِهم الذهبيةِ روادًا للعلمِ والمعرفةِ، ولكنَّهم تخلّفوا في العصورِ اللاحقةِ بسببِ إهمالِهم للعلمِ.
أحاديث نبوية وشعر في فضل العلم
يُؤكدُ العديدُ من الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ على أهميةِ العلمِ وفوائده، كما أنَّ الكثيرَ من الشعراءِ قد مدحوا العلمَ وأثنوا عليه. فالعلمُ هو نورٌ يُفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ، وهو الذي يُورثُ خشيةَ اللهِ تعالى.
العلمُ نورٌ والمعصيةُ ظُلمةٌ
يُعدُّ العلمُ نورًا يُلقيهُ اللهُ في القلب، بينما تُطفئُ المعاصيُ هذا النورَ. فمن أرادَ أنْ يحفظَ علمَهُ عليه أنْ يتقيَ اللهَ تعالىَ ويجتنبَ المعاصيَ.
لا سبيلَ إلى عبادةِ اللهِ إلا بنورِ العلمِ
يُعتبرُ العلمُ الطريقَ الموصلةَ إلى معرفةِ اللهِ تعالى، وإدراكِ كيفيةِ أداءِ العباداتِ على أكملِ وجهٍ. فمنْ عملَ بغيرِ علمٍ، فقد أفسدَ أكثرَ مما أصلحَ.
في الختام، يُعدُّ العلمُ من أعظمِ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها على الإنسان، وهو نورٌ يُضيءُ الدُّنياَ والآخرةَ. فنسألُ اللهَ تعالىَ أنْ يُوفقنا جميعًا لطلبِ العلمِ النافعِ، وأنْ يجعلهُ نورًا يُضيءُ قلوبَنا وحياتنا.
اترك تعليقاً