هل تتجه واشنطن نحو الحرب؟ تحليل تداعيات الضربات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يتركز الاهتمام العالمي على مستقبل الصراع الإسرائيلي الإيراني وتأثيره المحتمل على السياسة الخارجية الأمريكية. بعد سلسلة من الأحداث المتسارعة، بما في ذلك الضربات الإسرائيلية الأخيرة على البرنامج النووي الإيراني، يثار السؤال: هل ستنجر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مباشر مع إيران؟
نافذة استراتيجية تضيق: دوافع إسرائيلية للتحرك
في ظلّ تعثر الحلول الدبلوماسية وتزايد المخاوف بشأن التقدم النووي الإيراني، رأت إسرائيل في الوقت الراهن فرصة سانحة للتحرك. وشنت حملة عسكرية تستهدف البرنامج النووي الإيراني، مستغلةً ضعف قدرة إيران على الردّ نتيجةً لتحديات داخلية وإقليمية.
- شلل حزب الله: تراجع نفوذ حزب الله يحد من قدرة إيران على استخدام حليفها كورقة ضغط.
- حصار حماس: الوضع الإنساني الصعب في غزة يضعف قدرة حماس على تقديم دعم فعال لإيران.
- تطور تكنولوجيا الطائرات المسيّرة: مكّن إسرائيل من تنفيذ خطة لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية.
- إدارة أمريكية "متساهلة": شعور إسرائيل بدعم أمريكي قوي شجعها على المضي قدمًا في عملياتها.
إلا أن أهداف إسرائيل من هذه العمليات لا تزال غير واضحة تمامًا. ففي حين قد تسعى إلى تغيير النظام في إيران، يرى المحللون أن الهدف الأرجح هو إطالة المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج سلاح نووي (breakout time)، أو إحداث "انهيار" في النظام الإيراني بدلًا من إسقاطه بشكل مباشر.
البرنامج النووي الإيراني: من الاتفاق إلى التصعيد
شهد البرنامج النووي الإيراني تحولات كبيرة خلال العقد الماضي، بدءًا من توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي فرضت قيودًا على البرنامج مقابل رفع العقوبات، وصولًا إلى الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق في عام 2018.
تسلسل الأحداث:
- خطة العمل الشاملة المشتركة: اتفاق دولي يهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات.
- الانسحاب الأمريكي: قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على إيران.
- تخلي إيران عن القيود: ردًا على الانسحاب الأمريكي، بدأت إيران تدريجيًا في التخلي عن القيود التي فرضها الاتفاق، وزادت من قدرتها على تخصيب اليورانيوم.
- الضربات الإسرائيلية: حملة عسكرية إسرائيلية تستهدف البرنامج النووي الإيراني.
على الرغم من هذه التطورات، تشير تقديرات الاستخبارات الأمريكية إلى أن إيران لم تتخذ قرارًا فعليًا بالسعي نحو امتلاك سلاح نووي.
معضلة فوردو: هل تستطيع إسرائيل تدمير المنشأة النووية؟
تعتبر منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، الواقعة داخل جبل عميق، تحديًا كبيرًا لأي هجوم عسكري. لا تمتلك إسرائيل ذخائر خارقة للتحصينات قادرة على تدمير هذه المنشأة بشكل كامل. في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة قنبلة "GBU-57A/B" المصممة خصيصًا لضرب المنشآت المحصنة تحت الأرض.
خيارات إسرائيل المحدودة:
- استهداف المداخل والمخارج: محاولة تعطيل المنشأة عن طريق استهداف مداخلها وأنفاقها.
- تدمير البنية التحتية: استهداف الأنفاق والتهوية والبنية الكهربائية الداعمة لتقليل فاعلية المنشأة.
إلا أن هذه الهجمات تتطلب تكرارًا دوريًا وصيانة مستمرة، مما يجعلها خيارًا غير مستدام على المدى الطويل.
ترامب والملف الإيراني: حسابات معقدة
يواجه الرئيس ترامب قرارًا صعبًا بشأن كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني. فمن جهة، يمتلك تاريخًا متناقضًا فيما يخص الحروب في الشرق الأوسط، وقد أعرب مرارًا عن رغبته في تجنبها. ومن جهة أخرى، قد يرى في الهجوم الإسرائيلي فرصة لتدمير البرنامج النووي الإيراني بعد سنوات من إخفاق الدبلوماسية.
خيارات ترامب المحتملة:
- التريث والتقييم: الانتظار لتقييم نتائج الحملة الإسرائيلية قبل اتخاذ أي قرار.
- الانضمام إلى الهجوم: المشاركة في عملية عسكرية لتدمير منشأة فوردو بشكل كامل.
- استخدام التهديد العسكري: استخدام التهديد بالعمل العسكري كأداة لفرض شروط جديدة على إيران.
إيران في مواجهة التصعيد: تجنب الانجرار إلى الحرب
تدرك إيران أن مصلحتها تكمن في إبقاء الولايات المتحدة خارج هذا الصراع. فالتصعيد إذا خرج عن السيطرة قد يجر هجومًا أمريكيًا لا قِبَل لها به. إلا أن رد إيران على الهجمات الإسرائيلية بضرب القوات الأميركية أو مصالحها قد يؤدي إلى رد فعل عسكري أمريكي.
مخاطر إغلاق مضيق هرمز:
قد ترتكب إيران خطأ إستراتيجيًا إذا أغلقت مضيق هرمز، إذ قد يحرّك ذلك تحالفًا عربيًا ضدها، تحالفًا لا يهتم كثيرًا برأي الشارع تجاه إسرائيل، بقدر ما يركّز على مصالحه الاقتصادية المباشرة.
مستقبل غامض: "سنرى ما سيحدث"
في خضم هذه التطورات المتسارعة، يبقى المستقبل غامضًا. فكما يقول الرئيس ترامب دائمًا: "سنرى ما سيحدث". لقد غير الهجوم الإسرائيلي جذريًا من طبيعة البيئة السياسية والعسكرية، وأعاد حسابات كل الأطراف المعنية. ومع أن التهديدات العسكرية والضغوط الاقتصادية قد أجبرت إيران على التفاوض في الماضي، فإن العمل العسكري قد بدأ فعليًا، مما قد يغير معادلة الحلول المقبولة لجميع الأطراف.
الخلاصة:
يبقى السؤال المطروح: هل ستنجر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مباشر مع إيران؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على سلسلة من القرارات الاستراتيجية التي ستتخذ في الأيام والأسابيع المقبلة، وستحدد مسار المنطقة بأكملها.
اترك تعليقاً