يوم القيامة: كيف يُحشر الناس وما هي أحوالهم؟ نظرة تفصيلية**


مقدمة: الاستعداد ليوم الحساب

يا ابن آدم، هذا يوم الفصل، يوم تُعرض فيه الأعمال وتُوزن الموازين. استعد لهذا اليوم العظيم، فإما تكريم وحفاوة، وإما ذلة ومهانة. فماذا أعددت للقاء ربك؟

أول المنشقين عنهم القبور

أول من تنشق عنه الأرض هو سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، يليه الأنبياء الكرام، ثم الصديق أبو بكر وعمر الفاروق، ثم أهل البقيع الذين يُحشرون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أهل مكة المكرمة. يقول تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44].

أحوال الناس في أرض المحشر: ثلاثة أصناف

يقوم الناس إلى أرض المحشر على ثلاثة أحوال متباينة، تعكس أعمالهم في الدنيا ومصيرهم في الآخرة:

1. صنف المعذبين: المشي على الوجوه

  • الوصف: يشمل هذا الصنف الظالمين الكافرين والظالمين الموحدين. يقومون من قبورهم في حالة يرثى لها: وجوههم زرقاء مغبرة، يعلوها العار والمذلة، فزعون مرعوبون، وقد بلغ بهم القلق والعطش والجوع مبلغه.
  • الحالة: يتساءلون فيما بينهم عن قصر مدة الدنيا وسرعة الآخرة، ويندمون ندماً عظيماً على تضييع الأوقات القصيرة في اللهو والإعراض عن الحق.
  • النداء: يتساءلون من هول الفاجعة: {مَن بَعَثَنَا مِنْ مَّرْقَدِنَا …} ثم يردون على أنفسهم أو يسمعون الرد من الملائكة: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52].
  • المشية: لا يستطيعون المشي على الأقدام أو الأيدي أو الأرجل، بل يُدفعون للقيام يمشون على وجوههم عمياً لا يرون طريقهم، وصماً لا يسمعون تحذيراً، وبكماً لا يقدرون على الكلام.

    • قال تعالى: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقا} [طه: 102].
    • وقال تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)} [عبس: 40-41].
    • وقال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97].
  • ملاحظة هامة: أما الظالم الموحد، فقد اختلف العلماء في حاله، فمنهم من قال إنه يُحشر مثل الكافرين لإعراضه عن الحق، ومنهم من قال إن سجد لله سجدة قد لا ينتكس، لأن الله يكرم مواضع السجود في النار.

2. صنف أهل اليمين: المشي على الأقدام

  • الوصف: هم أهل اليمين، الذين استقاموا على طاعة الله وعملوا الصالحات.
  • الحالة: يمشون على أرجلهم مطمئنين، آمنين من الفزع الأكبر.

3. صنف الركبان: المكرمون على النجائب

  • الوصف: هم فئة الركبان، وهم السابقون بالخيرات، المقربون إلى الله.
  • الحالة: لا يمشون بل يُحملون على النجائب، وهي نوق الجنة البيض عليها رحال الذهب، تكريماً لهم من الله عز وجل.

الدنيا والآخرة: مفاضلة بين الناس

إننا نلمس المفاضلة بين الناس في الدنيا، ولكن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا. ففي الدنيا، قد يتميز الأغنياء وأصحاب المناصب والجاه، ولهم عالم خاص وحجوزات خاصة وغرف استقبال مميزة. ولكن هذه المكانة الزائفة قد تكون مبنية على الربا وأكل أموال الناس بالباطل.

أما في الآخرة، فإن التكريم الحقيقي هو تكريم الله عز وجل، وتسجيل العبد في لوائح الشرف. هؤلاء هم الذين وصلوا ذرى المعالي، طابت سجاياهم، واستقامت خلائقهم. تأتي إلى قبورهم النوق البيض عليها رحال الذهب فتستقبلهم، فيقومون من قبورهم في سكينة وطمأنينة، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزنوا، يقولون: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}.

السلف الصالح: مثال في الاجتهاد

لطالما سهر هؤلاء في طاعة ربهم والناس نائمون، ولطالما وقفوا يتهجدون في جنح الليالي والناس في ملذاتهم سادرون. كان أحد السلف يطيل قيام الليل، فقالت له ابنته الصغيرة: يا أبت أراك تطيل قيام الليل، لقد أتعبت نفسك. فقال لها: يا ابنتي راحتها أريد. فليهنأوا الآن ولينعموا بالراحة والتميز والمكانة الرفيعة.

حديث النبي صلى الله عليه وسلم

قال صلى الله عليه وسلم في بيان الأصناف الثلاثة: «يُحشرُ الناسُ يوم القيامةِ ثلاثةَ أصنافٍ: صنفٌ مُشاةٌ، وصنفٌ رُكبانٌ، وصنفٌ على وجوهِهم». فقالوا: يا رسولَ الله وكيف يَمشون على وجوهِهم؟ قال: «إنَّ الذي أمشاهم على أرجلِهم قادرٌ على أن يُمشيَهم على وجوهِهم، أمَا إنَّهم يتَّقون بوجوهِهم كلَّ حدبٍ وشوكٍ». (رواه أحمد، حديث حسن)

خاتمة: العمل الصالح مفتاح النجاة

فلنجتهد في العمل الصالح، ونسعى لمرضاة الله، لنكون من أهل اليمين أو من الركبان المكرمين، ونسأل الله أن يعيذنا من حال الأشقياء المعذبين.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *