مقدمة: فضل الله واختياره
إنّ الله تعالى، بحكمته وعلمه، يختار من خلقه ما يشاء. اختار من السموات السابعة، ومن الجنات الفردوس الأعلى، ومن الملائكة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، ومن البشر المؤمنين، ومن المؤمنين الأنبياء، ومن الأنبياء الرسل، ومن الرسل أولي العزم، واختار منهم جميعًا محمدًا صلى الله عليه وسلم. كما اختار من الزمان قرونًا وشهورًا وأيامًا وليالي وساعات، ففضّل قرن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهر رمضان، وليلة القدر، وعشر ذي الحجة، ويوم الجمعة. فما أعظم نعم الله علينا، وما أوسع فضله!
يوم الجمعة: خير الأيام
يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
- أهمية صلاة الجمعة: صلاة الجمعة هي آكد الفروض وأوجبها بعد الشهادتين، وقد حث الله عليها في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون في أدائها، فقال: «لَيَنتَهِيَنَّ أَقوَامٌ عَن وَدعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَو لَيَختِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ» و «مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلبِهِ».
خطبة الجمعة: فرصة للتزكية والتذكير
قد تكون خطبة الجمعة هي الفرصة الوحيدة للكثيرين لسماع العلم والموعظة، لذا يجب أن نوليها الاهتمام والتفاعل اللائقين بها، حتى يتحقق الأثر المطلوب والفائدة المرجوة.
- أثر الخطبة في القلوب: تخيلوا أننا نستمع إلى أكثر من خمسين خطبة في العام، فهل نرى أثرها في قلوبنا وسلوكنا وأخلاقنا؟ هل نلاحظ تحسنًا في علاقتنا مع الخالق ومع من حولنا؟
- حال السلف الصالح: كان السلف الصالح يتميزون بسرعة الاستجابة للأوامر وقوة التأثر بالمواعظ، حتى أن أحدهم يقول: "سمعت كلمة فنفعني الله بها ثلاثين سنة".
كيف ننتفع بخطبة الجمعة؟
يجب علينا أن نعظم هذا اليوم ونقدره حق قدره، وأن نحرص على اصطحاب نية طلب العلم والعزم على الاستجابة لما نسمعه من أوامر الله ورسوله.
- شروط الانتفاع بالذكرى: التركيز وحسن الاستماع والإنصات هي شروط أساسية للتأثر والانتفاع بالموعظة.
- توجيهات قرآنية: القرآن الكريم مليء بالتوجيهات لحسن الإنصات وإحضار العقل عند سماع الآيات والمواعظ، مثل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد}.
- التحذير من اللغو: حذر النبي صلى الله عليه وسلم من كل ما يخل بحسن الاستماع، حتى ولو كان بأقل القليل، فقال: «من مسّ الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له» و «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت».
آداب يوم الجمعة: طريق إلى الأجر العظيم
يوم الجمعة مليء بالآداب والسنن والمستحبات التي تزيد من أجر المسلم وتُعلي منزلته.
- الأجر العظيم: في الحديث الصحيح: «مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابتَكَرَ وَمَشَى وَلَم يَركَب، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاستَمَعَ وَلَم يَلغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».
أبرز آداب يوم الجمعة:
- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».
- الاغتسال والتطيب والتسوك: قال صلى الله عليه وسلم: «غُسْلُ يَومِ الجُمُعَةِ واجِبٌ علَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
- التبكير في الحضور: قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ يَومُ الجُمُعَةِ وَقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلَى بَابِ المَسجِدِ يَكتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ».
- المشي إلى المسجد والقرب من الإمام والإنصات التام: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابتَكَرَ وَمَشَى وَلَم يَركَب، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاستَمَعَ وَلَم يَلغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».
- قراءة سورة الكهف: قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ».
- كثرة التنفل بالصلاة: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اغتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنصَتَ حَتَّى يَفرُغَ مِن خُطبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الجُمُعَةِ الأُخرَى وَفَضلُ ثَلاثَةِ أَيَّام».
- الإكثار من الدعاء: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ في الجُمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبدٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ فِيهَا خَيرًا إِلاَّ أَعطَاهُ إِيَّاهُ».
- عدم تخطي الرقاب وإيذاء الآخرين: قال صلى الله عليه وسلم: «اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ».
- أداء تحية المسجد عند الدخول أثناء الأذان: فالاستماع للخطبة آكد من متابعة الأذان.
خاتمة: اغتنام الفرص
فلنتق الله أيها المسلمون، ولنعرف لهذا اليوم قدره، ولنحرص على اغتنام الأجور والغنائم المترتبة على سنن وآداب الجمعة. فلا يُحرمُ مِنهُا إِلاَّ مَحرُومٌ. قال صلى الله عليه وسلم: «اُحضُرُوا الذِّكرَ وَادنُوا مِنَ الإِمَامِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ في الجنَّةِ وَإِن دَخَلَهَا».
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
اترك تعليقاً