فضل غسل الجمعة: سنة مؤكدة وأحكامها في الشريعة الإسلامية
يوم الجمعة هو سيد الأيام وأفضلها، وقد حثّ الإسلام على الاهتمام به واستغلاله في الطاعات والقربات. ومن بين السنن المؤكدة في هذا اليوم المبارك هو غسل الجمعة، الذي يحمل في طياته فضائل جمة وأحكامًا شرعية ينبغي على المسلم معرفتها.
اتفاق العلماء على استحباب غسل الجمعة
اتفق جمهور العلماء من المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة) على أن غسل الجمعة سنة مؤكدة، وليست فرضًا واجبًا. وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن عبد البر والنووي. وهذا يعني أن من تركه لا يأثم، ولكنه يفوت على نفسه فضلًا عظيمًا.
- الإمام الترمذي: "العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم."
- الإمام النووي: "مذهبنا أنه سنة ليس بواجب يعصي بتركه، بل له حكم سائر المندوبات."
أدلة استحباب غسل الجمعة
استدل العلماء على استحباب غسل الجمعة بأدلة من الكتاب والسنة والآثار:
أولًا: من القرآن الكريم
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وجه الدلالة:
أن الآية لم تذكر نوعًا محددًا من الطهارة عند السعي إلى الصلاة بعد الأذان، مع العلم بوجوب الطهارة للصلاة. وهذا يدل على الاكتفاء بالوضوء، مع استحباب الغسل لتحصيل الفضيلة.
ثانيًا: من السنة النبوية
-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا».
وجه الدلالة:
يدل الحديث على أن الوضوء كافٍ لصلاة الجمعة، وأن من اقتصر عليه لا يأثم، مما يشير إلى أن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب.
-
حديث عائشة رضي الله عنها: "كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار، يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا»."
وجه الدلالة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" يدل على أن غسل الجمعة ليس واجبًا، حتى على من له ريح تخرج منه، وإنما يؤمر به ندبًا واستحبابًا.
-
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبًا إن وجد»."
وجه الدلالة:
ذكر غسل الجمعة في سياق السواك ومس الطيب، وهما لا يجبان، مما يدل على أن المقصود بالوجوب هنا هو التأكيد والاستحباب.
ثالثًا: من الآثار
-
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر: أي ساعة هذه؟ قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل؟!"
وجه الدلالة:
أن عمر رضي الله عنه لم يأمر الصحابي (عثمان بن عفان) بالانصراف للغسل، ولا انصرف عثمان حين ذكره عمر بذلك، ولو كان الغسل واجبًا فرضًا للجمعة ما أجزأت الجمعة إلا به، كما لا تجزئ الصلاة إلا بوضوء للمحدث، أو بالغسل للجنب.
- أثر ابن عباس رضي الله عنه: "غسل الجمعة ليس بواجب، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، وسأخبركم كيف كان بدء الغسل…"
رابعًا: القياس
غسل الجمعة يشبه الأغسال المستحبة الأخرى التي يقصد بها النظافة والتطهر لأجل اجتماع الناس في الصلاة، كما هو الحال في مجامع المناسك.
الحكمة من استحباب غسل الجمعة
تتجلى الحكمة من استحباب غسل الجمعة في عدة أمور، منها:
- النظافة والتطهر: لإزالة الأوساخ والروائح الكريهة التي قد تعلق بالجسم بسبب العمل أو غيره، استعدادًا للقاء المسلمين في المسجد.
- التطيب والتزين: فغسل الجمعة يهيئ المسلم للتطيب والتزين بأحسن الثياب، مما يعكس مظهره الحسن أمام الآخرين.
- الخشوع والسكينة: فالغسل يساعد على تهدئة الأعصاب والاسترخاء، مما يزيد من خشوع المسلم وسكينته أثناء الصلاة.
- إظهار تعظيم يوم الجمعة: فالاغتسال في هذا اليوم يعتبر نوعًا من التكريم والاحتفاء به، وإظهارًا لأهميته ومكانته في الإسلام.
خلاصة
غسل الجمعة سنة مؤكدة وفضل عظيم، ينبغي على المسلم الحرص عليها لما فيها من خير وبركة. فهو يساهم في نظافة الجسم وطهارته، ويهيئ المسلم للقاء ربه في أفضل حال، ويعكس تعظيمه ليوم الجمعة المبارك.
اترك تعليقاً