من يصنع التغيير؟ دور النخبة الواعية في نهضة الأمة

مقدمة: بين التشاؤم والأمل في واقع الأمة

في لقاء جمعني بجمع من أهل العلم والدعوة، استوقفني التركيز على تعاظم الفتن وغفلة الناس عن دينهم. خطابٌ يتردد صداه في مجالسنا، مدفوعًا بالغيرة على الدين والحزن على نكبات المسلمين. لكن، هل هذا التشاؤم يعكس الصورة كاملة؟ هل نحن على أعتاب النهاية، أم أن هناك بصيص أمل ينتظر من يشعله؟

تاريخ الأمم: النهضة من رحم النخبة

إن استقراء تاريخ الأمم والشعوب، سواء في الوحي أو كتب التاريخ، يكشف حقيقة مهمة: نهضة الأمم منوطة بالنخبة الواعية العاملة، لا بالغالبية الصامتة. هذه النخبة، وإن كانت الأقل عددًا، هي المحرك الأساسي للتغيير والتقدم.

  • أتباع الأنبياء قلة: نوح عليه السلام: {وما آمَنَ معَهُ إلا قليل}! موسى عليه السلام: {فما آمن لموسى إلا ذرِّيَةٌ من قومِهِ على خوفٍ من فرعونَ ومَلئِهم أنْ يفتِنَهُم}! طالوت: {فشربوا منه إلا قليلا منهم… كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين}.
  • النخبة المؤثرة في عصر الصحابة: لم يكن كل الصحابة بنفس القدر من التأثير. كانت هناك نخبة قادت دفة التغيير، بينما كان الآخرون تبعًا لهم. حتى مع وجود المنافقين ومؤامراتهم، انتصر الحق بفضل هذه النخبة.

إحصائيات دالة: قلة العدد لا تعني قلة التأثير

يذكر الإمام أبو زرعة الرازي أن عدد الصحابة يزيد عن مئة ألف وأربعة وعشرين ألفًا. ولكن، كم عدد الذين نعرفهم بأسمائهم؟ كم عدد رواة الحديث في الكتب الستة؟ وكم عدد الذين رووا ألف حديث فأكثر؟

  • عدد رواة الحديث في الكتب الستة: 548 صحابي و 85 صحابية.
  • عدد من روى مئة حديث فأكثر: 37 فقط.
  • عدد من روى ألف حديث فأكثر: 7 فقط.

هذه الأرقام تؤكد أن النخبة القليلة هي التي تحملت العبء الأكبر في حفظ السنة ونقلها للأجيال القادمة.

الأمة لا تحتاج إلى ملايين: قوة النخبة المؤثرة

الأمة لا تحتاج إلى ملايين القادة والعلماء والمفكرين لكي تستعيد مجدها. يكفي وجود نخبة قيادية قوية ومؤثرة في كل مجال. هذه النخبة ستكون القدوة والموجهة، وسيكون بقية الناس تبعًا لها. هذه هي الحالة الطبيعية للبشر على اختلاف مشاربهم.

نظرة إلى الواقع: وهم الكمال في المجتمعات الأخرى

لا يقتصر هذا الأمر على مجتمعاتنا الإسلامية. فمن يعتقد أن جميع أفراد الشعب الأمريكي أو الياباني يتمتعون بالوعي والثقافة والقدرة على الابتكار، فهو واهم. في كل المجتمعات، توجد نخبة تقود، بينما يعيش الكثيرون على هامش الحياة.

الأمة الإسلامية: فساد أقل، وأمل أكبر

مجتمعاتنا المسلمة ليست بمنأى عن التحديات التي تواجه البشرية، من طغيان المادة والإلحاد. ومع ذلك، فإن حظ الأمة الإسلامية من هذا الفساد والانحطاط هو الأدنى نسبيًا، وهذا بفضل الله.

خاتمة: فلنكن جزءًا من النخبة الصانعة للتغيير

السؤال الذي يطرح نفسه: هل سنكون جزءًا من هذه النخبة الواعية التي تصنع التغيير؟ هل سنساهم في بناء مستقبل أفضل لأمتنا؟ الأمر يتطلب منا جميعًا أن ننهض بمسؤولياتنا، وأن نسعى إلى العلم والمعرفة، وأن نكون قدوة حسنة في أقوالنا وأفعالنا. فلنبدأ بأنفسنا، ولنكن جزءًا من الحل، لا جزءًا من المشكلة.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *