دراسة تحليلية لحديث النبي ﷺ في الاستنجاء ودلك اليد بالأرض: سند الحديث ورجاله
مقدمة
يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ يتعلق بطريقة استنجائه ودلكه ليده بالأرض بعد قضاء حاجته. يُثير هذا الحديث جدلاً بين أهل العلم بسبب اختلاف الروايات في سنده ومتن الحديث، وسنُقدم في هذا المقال دراسةً تحليليةً مُفصلةً للحديث، مُستعرضين مختلف الروايات، ونقد سلاسل الإسناد، مع ذكر آراء العلماء في مدى صحته.
الروايات المتعلقة بالحديث
يوجد عدة روايات تتناول هذا الموضوع، تختلف في ألفاظها وسلاسل رواتها. سنستعرض أهمها مع تحليلها:
الرواية الأولى (عن طريق شريك):
روى ابن ماجه وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم من طرق شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى، ثم دلك يده بالأرض.
- نقْد الإسناد: يُعتبر شريك بن عبد الله القاضي ضعيفاً، وقد أنكر أحمد هذا الحديث. إبراهيم بن جرير صدوق، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ثقة. لكن ضعف شريك يُضعف الرواية بشكل كبير.
الرواية الثانية (عن طريق أبان بن عبد الله):
روى أحمد والدارمي وأبو يعلى والبيهقي وابن عدي من طريق أبان بن عبد الله بن أبي حازم، عن مولى لأبي هريرة، روايةً أخرى تتضمن تفاصيل إضافية حول استنجاء النبي ﷺ وغسل يديه ومسح خفيه.
- نقْد الإسناد: يُعتبر أبان بن عبد الله بن أبي حازم ضعيفاً أيضاً، بسبب ما يُذكر عن مناكيره وضعف حفظه، رغم توثيق بعض العلماء له من جهة العدالة. كما أن جهالة مولى أبي هريرة تُزيد من ضعف الرواية.
الرواية الثالثة (عن طريق أبان بن عبد الله – رواية أخرى):
روى الدارمي وابن ماجه والنسائي وابن خزيمة والبيهقي من طريق أبان بن عبد الله البجلي، عن إبراهيم بن جرير بن عبد الله، عن جرير بن عبد الله، روايةً مُقاربة للرواية الأولى، لكنها تُغيّر الإسناد بشكلٍ كامل.
- نقْد الإسناد: تُعاني هذه الرواية من انقطاع، حيث لم يسمع إبراهيم بن جرير من أبيه. كما أن أبان بن عبد الله ضعيف كما سبق ذكره.
آراء العلماء في الحديث
اختلف العلماء في قبول هذا الحديث، فبعضهم يعتبره ضعيفاً لضعف رواته، مثل ابن القيم وابن رجب. وقد أشار النسائي إلى أن رواية أبان أشبه بالصواب من رواية شريك. بينما ذهب بعضهم إلى قبول الحديث مع التنبيه على ضعف الرواية.
خلاصة الدراسة
بعد دراسة الروايات المُختلفة، يتبين أن الحديث المُتناول يُعاني من ضعف في سنده، سواءً من جهة ضعف الرواة، أو من جهة انقطاع السند. ورغم أن الفعل المذكور (دلك اليد بالأرض) يُمكن أن يُستدل عليه من خلال أحاديث أخرى تتحدث عن دلك اليد بالأرض بعد غسل الجنابة، إلا أن الحديث المُتناول هنا لا يُعتبر حجةً قويةً، ويجب الأخذ بالحذر عند الاعتماد عليه. يُنصح بالرجوع إلى الأحاديث الصحيحة والسنة الثابتة في المسائل المتعلقة بالطهارة.
المراجع
تم الاستعانة بمجموعة من الكتب في علوم الحديث، مثل "بدائع الفوائد" لابن القيم، و"فتح الباري" لابن رجب، وكتب الجرح والتعديل.
اترك تعليقاً