حقيقة العين: الوقاية والعلاج بالأدلة الشرعية
يُثير موضوع "العين" جدلًا واسعًا، فبين من يعتبره خرافة ومن يؤمن بقدرته على الإيذاء، نجد أنَّ الشريعة الإسلامية قد أقرَّت بحقيقة العين وتأثيرها، مُبيّنةً سبل الوقاية منها وعلاجها. سنستعرض في هذا المقال، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، حقيقة العين، وخطورتها، وكيفية الوقاية منها، بالإضافة إلى علامات الإصابة بها.
حقيقة العين وخطورتها
تُعرف العين في الشرع بأنها نظرٌ يُحدث ضررًا بالمعيون، سواء كان ذلك نتيجة حسد أو إعجاب. فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا". يُشير هذا الحديث إلى أن العين وإن لم تتجاوز قدر الله، إلا أنها سببٌ مُؤثِّرٌ في حدوث الضرر.
أمثلة على خطورة العين وردت في الأحاديث النبوية الشريفة، منها ما رواه أبو نعيم وحسنه الألباني: "العين تدخل الرجل القبر، والجمال القدر". أي أنَّ العين قد تصل إلى حد القتل. كما روى البزار وحسنه الألباني عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس، يعني العين".
يُؤكّد هذا على خطورة العين وتأثيرها الكبير، حتى أنَّ النبي ﷺ استعاذ بالله منها، كما في حديث عائشة رضي الله عنها. كما بيّن النبي ﷺ شدة تأثيرها في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه: "إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا فيتردى منه".
تُوضّح قصة سهل بن حنيف في مسند الإمام أحمد، كيف أنَّ إعجاب عامر بن ربيعة بجمال سهل، أدى إلى إصابته بالعين وسقوطه مغشيًا عليه، مما دفع النبي ﷺ لسؤال عامر: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلَّا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟".
وإنما كان النبي ﷺ يستعيذ من شر العين، للجن والإنس، حتى نزلت المعوذتان. وقد ورد في القرآن الكريم دلالة على خطورة العين، كما في قصة يعقوب عليه السلام ووصيته لأبنائه بالدخول إلى مصر من أبواب متفرقة، خشيةً من إصابتهم بالعين. (سورة يوسف: 67). كما ذكرت آية في سورة القلم (51، 52) محاولة كفار قريش إصابة النبي ﷺ بالعين.
الفرق بين العين والحسد
يُميّز بين العين والحسد عدة نقاط:
- الحسد: ناتج عن الحقد والبغض.
- العين: قد تكون نتيجة إعجابٍ بالشيء.
- الحاسد: لا يحسد نفسه.
- العائن: قد يعين نفسه وماله وولده.
- الحسد: من نفس خبيثة.
- العين: قد تقع من الرجل الصالح.
الوقاية من العين
أولًا: التوكل على الله: يجب الاعتقاد الراسخ بأن النفع والضر بيد الله وحده، كما في سورة يونس (107). والحذر من العين يكون بفعل الأسباب المشروعة، وليس بالقلق والخوف.
ثانيًا: الحذر من الإضرار بالغير: على من يعلم مِن حاله هذه الآفة أن يحذر من إضرار غيره، وأن يعوّد لسانه على ذكر الله، كقول: "بسم الله ما شاء الله تبارك الله" أو "اللهم بارك" عند رؤية ما يعجب.
ثالثًا: التحصّن بالأذكار: قول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" عند رؤية النعم، يُعدّ من أهمّ وسائل الوقاية، كما ورد في سورة الكهف.
رابعًا: طرق الوقاية:
- الاستعاذة بالله: من شر العين، والاعتصام به، والالتجاء إليه. (حديث البخاري عن ابن عباس).
- قراءة القرآن: المعوذتان، الإخلاص، الفاتحة، آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة.
- أذكار الصباح والمساء: المحافظة عليها تحصّن من الشرور.
- الصلوات الخمس: خاصة صلاة الفجر.
- ستر المحاسن: اجتناب التفاخر بنعم الله، وستر محاسن الأطفال، وعدم نشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
علاج العين
- الاغتسال والاستغسال: إذا عُرف العائن، يُطلب منه الاغتسال، ويُصبُّ الماء على المعيون من خلفه.
- الرقية الشرعية: إذا لم يُعرف العائن، يُعالَج بالرقية الشرعية.
علامات الإصابة بالعين
هذه العلامات ليست قطعية، بل يُستأنس بها:
- تغير لون البشرة.
- كثرة التعرق.
- كثرة التجشؤ والتثاؤب.
- اضطراب النوم.
- ضعف الشهية.
- رطوبة اليدين والرجلين.
- خفقان القلب.
- الانفعال الشديد.
- الحزن والضيق.
- ألم أسفل الظهر.
في الختام، العين حقٌّ، والوقاية منها واجبةٌ، بالتوكل على الله، واللجوء إلى الأسباب الشرعية، والحذر من التفاخر والإفراط في نشر صور وممتلكات. نسأل الله العظيم أن يحفظنا من شرورها ومن كل سوء.
اترك تعليقاً