مقدمة: فضل الأوقات وأهمية اغتنامها
من عظيم فضل الله ورحمته أن ميز بين الأزمنة، واختار منها ما شاء لحكمة يعلمها، مصداقًا لقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ}. هذا التفضيل الإلهي هو منحة ربانية للمسلم، ليجدد نشاطه، ويزيد أجره، ويتقرب إلى خالقه.
لكن الواقع يشير إلى غفلة الكثيرين عن فضائل الأوقات، وعدم اغتنامها، مما يؤدي إلى ضياع الأجر العظيم. والتباين واضح بين عظمة عشر ذي الحجة – أفضل أيام الدنيا – وبين حال الكثيرين فيها، إذ يغفلون عن استثمارها في الطاعات، ويهجرون سننها، كالتكبير المطلق.
لماذا لا تحظى عشر ذي الحجة بالاهتمام الذي تحظى به أيام رمضان؟
على الرغم من أن العمل الصالح في هذه الأيام أعظم أجرًا من العمل في غيرها، إلا أنها لا تشهد نفس النشاط الروحاني الذي نراه في رمضان. والسبب يكمن في عدة عوامل:
- فريضة الصوم: شهر رمضان مرتبط بفريضة الصوم، وهي فريضة سنوية على كل مسلم، وما يصاحبها من تربية وزيادة في الإيمان. بينما الحج فريضة العمر.
- نزول القرآن: رمضان هو شهر القرآن، لارتباطه بنزول الوحي، مما يشجع المسلمين على تلاوة القرآن وتدبر معانيه.
- قيام الليل: الترغيب الخاص في قيام ليالي رمضان، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام العشر الأواخر، وتحري ليلة القدر، يخلق جوًا روحانيًا مميزًا.
- تصفيد الشياطين: تصفيد الشياطين في رمضان يفتح أبواب الجنة ويغلق أبواب النيران، مما يحفز الناس على العبادة.
كل هذه العوامل تجعل رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، بينما تمثل عشر ذي الحجة اختبارًا حقيقيًا للمسلم، إذ لا يجد فيها نفس القدر من المعونة على الخير.
فضل عشر ذي الحجة: كنوز مضاعفة
لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على فضل هذه الأيام المباركة:
- القسم بها في القرآن: قال تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وقد رجح غير واحد من المفسرين أن المقصود بها عشر ذي الحجة.
- أعظم أيام الدنيا: شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أعظم أيام الدنيا، كما في قوله: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»، وعندما سئل عن الجهاد، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
- الحث على العمل الصالح: حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل الصالح في هذه الأيام، وأمر بكثرة التهليل والتكبير والتحميد.
- يوم عرفة ويوم النحر: تحتضن هذه الأيام يوم عرفة، وهو يوم عظيم المغفرة، ويوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر.
- اجتماع أمهات العبادة: تجتمع في هذه الأيام أمهات العبادة: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، وهو ما لا يتأتى في غيرها.
أنواع العمل الصالح في أيام العشر: استثمار مثمر
بعد أن ثبت فضل الزمان، يثبت فضل العمل فيه، ومحبة الله للعمل الصالح في العشر تجعله أفضل وأعظم أجرًا. وإليك بعض أنواع العمل الصالح التي يمكنك استثمار وقتك فيها:
- التوبة النصوح: هي الرجوع إلى الله تعالى، وترك كل ما يكرهه ظاهرًا وباطنًا، وفعل ما يحبه ويرضاه، مع الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى الذنوب.
- أداء الحج والعمرة: وهما من أعظم العبادات، وفيهما تطهير للنفس من الذنوب والمعاصي.
- المحافظة على الواجبات: أداء الفرائض في أوقاتها وإحسانها، مع مراعاة السنن والآداب، هو أحب الأعمال إلى الله.
- الإكثار من الأعمال الصالحة: الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من أبواب الخير.
- الذكر: له مزية خاصة في هذه الأيام، مصداقًا لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}.
- التكبير: إظهار التكبير في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق، إعلاناً بتعظيم الله تعالى. وأصح صيغة للتكبير: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً".
- الصيام: صيام التسع أو بعضها، باستثناء يوم العيد.
- الأضحية: سنة مؤكدة في حق الموسر.
- صلاة العيد: ينبغي حضورها وسماع الخطبة وتدبر الحكمة من شرعية هذا العيد.
يوم عرفة: ذروة الفضل والرحمة
يوم عرفة يوم عظيم، له فضائل ومزايا خاصة:
- إكمال الدين وإتمام النعمة: في هذا اليوم نزلت الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}.
- يوم عيد: هو عيد لأهل الإسلام.
- صيامه يكفر سنتين: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه: «يكفر السنة الماضية والباقية».
- يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة».
الأعمال المشروعة في يوم عرفة:
- صيام ذلك اليوم لغير الحاج.
- الإكثار من الذكر والدعاء.
- التكبير المطلق والمقيد.
يوم النحر: يوم الحج الأكبر
يوم النحر هو يوم الحج الأكبر، وأفضل أيام العام، يجتمع فيه الصلاة والنحر، وهما أفضل من الصلاة والصدقة.
الأعمال المشروعة في يوم النحر:
- صلاة العيد.
- التكبير.
- نحر الهدي والأضاحي.
أيام التشريق: أيام ذكر وشكر
أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التالية ليوم النحر، وهي أيام عيد للمسلمين، وقد نهي عن صيامها.
الأعمال المشروعة في أيام التشريق:
- الأكل والشرب.
- ذكر الله بأنواعه المختلفة:
- التكبير المطلق والمقيد.
- التسمية والتكبير عند نحر الهدي والأضاحي.
- ذكر الله عند الأكل والشرب.
- التكبير عند رمي الجمار.
- الذكر المطلق.
ختامًا:
هذه تذكرة بأهمية اغتنام عشر ذي الحجة، نسأل الله أن ينفع بها، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على الاستقامة على السنة، وأن يجعلنا من الفائزين في هذا الموسم المبارك.
اترك تعليقاً