المنافقون في الصفوف: دروس مستفادة من غزوة تبوك في أوقات الأمة الحرجة

غزوة تبوك، محطة فاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية، كشفت عن معادن الرجال، وفضحت مخططات المنافقين، وأرست قواعد النصر والتمكين. في هذه المقالة، نستلهم من أحداث تلك الغزوة دروسًا وعبرًا، خاصة في أوقات الأزمات والتحديات التي تواجهها أمتنا اليوم.

تبوك: اختبار الإيمان في مواجهة التحديات

في السنة التاسعة للهجرة، بلغت النبي صلى الله عليه وسلم أخبار عن حشود الروم واستعدادهم لغزو الدولة الإسلامية. لم يكن هذا مجرد تهديد عابر، بل كان تحديًا وجوديًا يتطلب تعبئة شاملة واستعدادًا لمواجهة مريرة.

  • إعلان التعبئة: أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهة الجيش، وحث المسلمين على التجهز والنفير.
  • استجابة المؤمنين: لبى ثلاثون ألف مقاتل نداء الجهاد، وباعوا أنفسهم لله، مؤكدين نصرة لا إله إلا الله.
  • نكوص المنافقين: تساقط المنافقون، وتذرعوا بالأعذار الواهية، كاشفين عن ضعف إيمانهم وخور عزيمتهم.

أعذار واهية وفضح للنفاق

لم يتردد أحد المنافقين في الاعتذار عن عدم الخروج بحجة الخوف من فتنة النساء، فنزلت الآية الكريمة تفضح زيف ادعائه: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49].

في المقابل، أتى سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة، وعزّ عليهم التخلف، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: يا رسول الله: لا زاد ولا راحلة! ويبحث لهم -صلى الله عليه وسلم- عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه؛ فرجعوا {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92].

تثبيط العزائم وبث الشكوك

لم يكتف المنافقون بالتخلف عن الجهاد، بل سعوا جاهدين لتثبيط عزائم المؤمنين، وبث الشكوك في نفوسهم.

  • التحذير من الحر: "لا تنفروا في الحر!"، كانت هذه هي حجتهم، متجاهلين أن نار جهنم أشد حرًا.
  • توهين الحق: سعوا للتشكيك في الحق، وترويج الإشاعات المغرضة، لتقويض معنويات المسلمين.

دروس وعبر من غزوة تبوك

غزوة تبوك لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت مدرسة متكاملة تعلمنا دروسًا عظيمة، خاصة في أوقات الأزمات:

  1. العزة والقوة في الإخلاص: الله تعالى كتب العزة والقوة لهذه الأمة متى صدقت وأخلصت.
  2. خطر المنافقين: العدو يتسلل من خلال الصفوف المنافقة، والضعف والتفرقة ينشأ من أصحاب المسالك الملتوية.
  3. النفاق داء عضال: النفاق انحراف خلقي خطير يهدد الأفراد والمجتمعات والأمم.
  4. موالاة الكافرين: خطورة المنافقين تكمن في موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين.
  5. توهين المؤمنين: يسعى المنافقون لتوهين المؤمنين وتخذيلهم، وتدبير المؤامرات ضدهم.
  6. إعداد القوة: مواجهة الأعداء تتطلب إعداد القوة، والثقة بالله، والثبات والصبر.
  7. أهمية النية الصادقة: النية الخالصة الصادقة في نيل الأجر والثواب.

المنافقون اليوم: وجوه متعددة لخطر واحد

اليوم، يتجلى النفاق بأشكال مختلفة، ورايات متعددة، لكن الهدف واحد: تقويض الأمة، وتفتيت وحدتها، وإضعاف عزيمتها.

  • التثبيط والتخذيل: التقليل من شأن المقاومة، وتفخيم قوة العدو، والتشكيك في النوايا.
  • شق الصف: بث الفرقة والخلاف، والطعن في المجاهدين، ونشر الفتنة.
  • الدعوة إلى الحياد: محاولة التوفيق بين الحق والباطل، والغمز واللمز في المخلصين.
  • قتل الشعور بالمسؤولية: ترويج مقولة "ليست قضيتي"، وتجاهل معاناة الأمة.

فلسطين وغزة: النفاق يتكشف في ساحة الاختبار

ما يحدث في غزة وفلسطين اليوم يكشف حقيقة المنافقين، ودورهم في التثبيط، وتفخيم شأن العدو، والتقليل من جهود المؤمنين المقاومين، والتشكيك بجدوى المقاومة المتواضعة، والطعن في النوايا، وشق الصف، وتمني ظهور العدو، وقلب الحقائق، وأحيانا الدعوة للوقوف على الحياد ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل والغمز واللمز في المجاهدين وقتل الشعور لدى الناس بالمسؤولية تجاه أحداث الأمة العظيمة.

النصر حليف المؤمنين

إن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى؛ يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، ويتعلقوا به، ويثبتوا، ويصبروا، وعندها يكون لهم النصر.

خاتمة

غزوة تبوك تظل نبراسًا يضيء لنا الطريق في أوقات الظلمة، تعلمنا كيف نميز بين المؤمن الصادق والمنافق المخادع، وكيف نواجه التحديات بثبات وإيمان، وكيف نعد العدة للنصر والتمكين. فلنستلهم من دروس تبوك، ولنعمل جاهدين على وحدة صفنا، ونصرة أمتنا، وفضح مخططات المنافقين، واثقين بنصر الله القريب.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *