يصف لنا الدين الإسلامي الحنيف لحظات مميتة المؤمن بجمالٍ ورقةٍ، مُبرزًا رحمة الله وعنايته بعباده الصالحين. فليس موت المؤمن نهايةً، بل هو بدايةٌ لرحلةٍ مباركةٍ نحو دار الخلود. تُروى العديد من الأحاديث الشريفة والروايات التي تُبرز هذه اللحظات المُباركة، مُسلطةً الضوء على السكينة والطمأنينة التي تُحيط بالمؤمن في تلك الأثناء.
لقاء المؤمن بربه: سكينة ورضوان
يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه». هذا الحديث الشريف يُجسّد جوهر الإيمان الراسخ، حيث يتوق المؤمن الصادق للقاء ربه، مُتطلعًا إلى رحمته ومغفرته. ليس هناك ما يُخيفه، بل على العكس، يُشْعرُه هذا اللقاء المُقبل بالفرح والسكينة.
ملك الموت والبشائر السماوية
تُشير الروايات إلى أن ملك الموت، عند قبض روح المؤمن، يُخاطبه بكلماتٍ مُطمئنةٍ، تحمل في طياتها السلام والبشائر من الله سبحانه وتعالى. يقول ابن مسعود: "إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن، قال له: إن ربك يقرئك السلام". ويروى عن محمد بن كعب قوله: "يقول له ملك الموت: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم تلا: {الذينَ تَتَوَفّاهُمُ الملائِكَةُ طَيِّبينَ يَقولونَ سَلامٌ عَلَيكُم}." هذه الكلمات تحمل في طياتها راحة البال والطمأنينة التي تُحيط بالمؤمن في لحظاته الأخيرة.
الملائكة والمؤمن: بشرى الجنة
لا يقتصر الأمر على ملك الموت فقط، بل تُشارك الملائكة في وداع المؤمن، مُبشّرين إياه بالجنة ومُزيلين عنه كل خوفٍ أو حزن. يقول زيد بن أسلم: "تأتي الملائكة المؤمن إذا حضر، فتقول له: لا تخف مما أنت قادم عليه – فيذهب الله خوفه – ولا تحزن على الدنيا وأهلها وأبشر بالجنة، فيموت وقد جاءته البشرى." هذه البشارة السماوية تُزيل أيّ قلقٍ أو خوفٍ قد يُصيب المؤمن، مُعززةً إيمانه وثقته برحمة الله.
البشارة المستمرة: من الموت حتى القيامة
يُؤكد لنا القرآن الكريم في قوله: {إِن الذين قالوا رَبَّنا اللهُ ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} أن هذه البشارة لا تقتصر على لحظة الموت فقط. فكما يُشير زيد بن أسلم، تتواصل هذه البشارة من لحظة الموت، مرورًا بالقبر، وحتى يوم القيامة، مُخلّفةً في قلب المؤمن فرحةً وسعادةً لا تُوصف. فهو في جنة الله، وبشارة الجنة باقية في قلبه إلى الأبد.
هذا الوصف يُبرز رحمة الله الواسعة ووعوده لعباده المؤمنين، مُظهِرًا جمال اللقاء مع الله عز وجل، مُطمئنًا قلوب المؤمنين على ما سيلاقونه عند مماتهم.
اترك تعليقاً