مقدمة
موضوع المواقيت من المسائل الهامة التي يكثر فيها الخطأ في هذا العصر، وذلك لعدة أسباب منها: تيسر وسائل النقل وسرعتها، مما يجعل البعض يتجاوز الميقات ثم يعود إليه، أو يتجاوزه قاصدًا ميقاتًا آخر، أو يتجاوزه لغرض ثم يعود للنسك، أو يتجاوزه لعدم حمله التصريح أو ملابس الإحرام. هذا المقال يقدم بحثًا متواضعًا في هذه المسألة، مستعرضًا أحكام تجاوز الميقات في مختلف الحالات.
خطة البحث
يتكون هذا البحث من تمهيد وفصلين:
الفصل الأول: مجاوزة الميقات لمن عزم على أداء النسك، ويتضمن:
- المبحث الأول: المجاوزة قاصدًا لميقات آخر.
- المبحث الثاني: الإحرام بعد تجاوز الميقات.
- المبحث الثالث: تجاوز الميقات بغير إحرام بنية العود إليه.
- المبحث الرابع: تجاوز الميقات لعدم حمل التصريح أو لعدم وجود ملابس الإحرام.
- المبحث الخامس: من جاوز الميقات ناسيًا أو جاهلًا.
- المبحث السادس: ميقات من هو دون المواقيت.
- المبحث السابع: ميقات أهل مكة.
الفصل الثاني: مجاوزة الميقات لغير مريد النسك، ويتضمن:
- المبحث الأول: المجاوزة لمن يريد دخول مكة.
- المبحث الثاني: من جاوز الميقات لعمل أو حاجة، هل يلزمه الإحرام؟
الفصل الأول: مجاوزة الميقات لمن عزم على أداء النسك
المبحث الأول: المجاوزة قاصدًا لميقات آخر
-
خلاصة المذاهب:
- الأفضل: الإحرام من أول ميقات يمر به الحاج أو المعتمر، ولو كان سيمر بميقات آخر هو ميقاته الأصلي.
- حكم التجاوز:
- القول الأول (الوجوب): يجب الإحرام من أول ميقات يمر به، ولا يجوز تجاوزه إلى ميقات آخر. وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وبه قال إسحاق وابن حزم والشنقيطي.
- القول الثاني (الجواز لمن يقصد ميقاته): يجوز تجاوز الميقات إلى ميقاته الأصلي. وهو مذهب المالكية، وبه قال أبو ثور والأوزاعي وابن المنذر وابن تيمية.
- القول الثالث (الجواز مطلقًا): يجوز تجاوز الميقات إلى أي ميقات آخر، ولو لم يكن ميقاته الأصلي. وهو مذهب الحنفية، ورجحه الشيخ عبد الرحمن السعدي.
-
أدلة القول الأول (الوجوب):
- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (… فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة).
- من سلك طريقًا فيها ميقات فهو ميقاته.
- المواقيت حدود النسك، وليس لأحد أن يتعدى حدود الله.
- المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مر بجانب منها لزمه تعظيم حرمته.
-
أدلة القول الثاني (الجواز لمن يقصد ميقاته):
- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة …).
- يجوز المجاوزة إلى ميقاته، فلا يكون مخالفًا في مجاوزته ميقات غيره.
- إذا مر بميقاتين يجب عليه الإحرام من أحدهما، وميقاته الأصلي هو الأصل، فله أن يؤخر الإحرام من الفرع إلى الأصل.
-
أدلة القول الثالث (الجواز مطلقًا):
- ما روي عن أبي جعفر الباقر رحمه الله: (من أحب أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل).
- حديث عبد الله بن أبي قتادة رضي الله عنهما أن أباه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية (فأحرم أصحابه ولم يحرم).
- ابن عمر رضي الله عنهما أهلَّ من الفُرع، والفرُع بعد ذي الحليفة.
- عائشة رضي الله عنها (اعتمرت في سنة مرتين، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة).
- ترتيب هذه المواقيت وضع لأجل السهولة والتيسر على كل أحد إذا أراد الإحرام، وباب الرخص والتسهيلات يكون العبد مخيرًا يختار ما هو أسهل عليه.
- حين تجاوز لم ينوِ الدخول في النسك، وإنما نوى الذهاب إلى الميقات الآخر، ومجرد نية الحج أو العمرة غير معتبرة.
المبحث الثاني: الإحرام بعد تجاوز الميقات
- الحكم: من جاوز الميقات من دون إحرام وهو مريد للنسك وجب عليه الرجوع والإحرام منه في المشهور من المذاهب الأربعة.
- الخلاف في الرجوع: لو أحرم بعد الميقات ثم رجع إليه محرمًا، فهل يسقط عنه الدم؟
- القول الأول (لا يسقط): الدم لا يسقط عنه، وهو المشهور من مذهب المالكية والحنابلة، ووجه عند الشافعية.
- القول الثاني (يسقط بالتلبية): إن رجع إلى الميقات ملبيًا قبل أن يبتدأ بالطواف سقط الدم، وإلا فلا. وهو مذهب الحنفية.
- القول الثالث (يسقط قبل التلبس بنسك): إن عاد قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم وإلا فلا يسقط الدم وعليه الإثم. وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، وهو المذهب عند الشافعية، ورواية عن أحمد.
المبحث الثالث: تجاوز الميقات بغير إحرام بنية العود إليه
- الاتفاق: إذا عاد إلى الميقات قبل الإحرام ثم أحرم منه، فإن الدم يسقط عنه.
-
الخلاف: في حكم مجاوزة الميقات بغير إحرام بنية العود:
- القول الأول (الجواز): المجاوزة بنية العود جائزة ولا إثم عليه في ذلك. وهو مذهب الشافعية، ورجحه ابن عثيمين.
- القول الثاني (الإساءة): من تجاوز بغير إحرام أساء، ولو كان بنية العود إليه.
- مسألة: لو تجاوزه بنية العود، فهل له أن يرجع إلى ميقات أقرب؟ هذه المسألة مبنية على (حكم مجاوزة الميقات إلى ميقات آخر).
- تجاوز الميقات مع عدم إمكانية العودة: من تجاوز بغير نية العود، ولم يستطع العود لعذر، أحرم من موضعه ووجب عليه الدم.
المبحث الرابع: تجاوز الميقات لعدم حمل التصريح أو لعدم وجود ملابس الإحرام
- الحكم: يجب على من مر بالميقات أن يحرم منه، ولو كان يعلم أنه سيلزم بلبس المخيط. وكذلك من كان في الطائرة أو السيارة وحاذى الميقات وليس معه إحرام، فينوي الدخول في النسك وهو في ثيابه، وينزع ما على رأسه، إلى أن يجد إحرامًا.
المبحث الخامس: من جاوز الميقات ناسيًا أو جاهلًا
- الحكم: مذهب الأئمة الأربعة أن من جاوز الميقات جاهلًا أو ناسيًا عليه الرجوع إليه، فإن لم يرجع لزمه الدم. ولا فرق في لزوم الدم لمن أحرم بعد الميقات بين من كان عامدًا عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا، لكن يفترقون في الإثم، فلا إثم على الناسي والجاهل.
المبحث السادس: ميقات من هو دون المواقيت
- مذهب الجمهور: من كان مسكنه دون المواقيت، فإنه يحرم من بيته أو مسجده، وليس له أن يتجاوز القرية التي هو فيها من غير إحرام.
- مذهب الحنفية: له الإحرام في جميع الحل إلى حدود الحرم.
المبحث السابع: ميقات أهل مكة
- الاتفاق: أهل مكة ومن كان نازلًا فيها يهلون منها للحج، وليس لهم أن يذهبوا ليحرموا خارجها.
- العمرة: يجب عليه أن يخرج للحل ليحرم منه.
اترك تعليقاً