الكبر والاعتداد بالنفس، داءٌ عضال يُفتك بالقلوب ويُعيق المسيرة نحو الكمال. عند التأمل في أحوال المنتكسين عن طريق الخير، أو الغوص في أعماق نصوص الوحي، يتبين لنا بوضوح أن هذا الداء هو الأخطر على الإطلاق، فهو يحجب نور الهداية ويُفقد صاحبه التوفيق.
الكبر: حجاب يمنع التوفيق
كم من شخصٍ رأيناه أو سمعنا عنه، حُرم التوفيق في علمٍ أو عملٍ أو حتى في طريق الخير الذي كان يسلكه! بل إن البعض قد انحرف عن الدين كله، والجامع المشترك بينهم هو داء الكبر والاعتداد بالنفس. حتى أنك قد تسمع شخصًا ينطق بالحق، ولكن بنبرة استعلاء وتكبر، فتنفر منه وتتحاشاه، خشية أن تكون عاقبته وخيمة.
الهداية رزق.. والإخبات طريقه
العلم والهداية هما أعظم أنواع الرزق وأعلاها، فخيرهما يعم الدنيا ويتجاوزها إلى الآخرة. وهذا الرزق، كغيره من الأرزاق، له أسباب، ومن أعظمها:
- الإخبات: الخشوع والتواضع لله.
- الإنابة: الرجوع الدائم إلى الله والتوبة.
- الافتقار: الشعور الدائم بالحاجة إلى الله.
فمن خلا من هذه الأسباب، أصبح محلاً فاسدًا وغير قابل لاستقبال الهداية والعلم النافع، مهما كان نصيبه من الذكاء والاطلاع.
آيات تحذر من الكبر
لقد حذرنا الله تعالى من الكبر في آياتٍ كثيرة، منها:
- {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83)
- {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (الأعراف: 146)
كما وصف الله تعالى المكذبين لأنبيائهم في بعض المواطن بأنهم "الملأ الذين استكبروا"، وعلق دخول النار على صفة الاستكبار، قائلاً: "فلبئس مثوى المتكبرين".
تزكية النفس: سلاح المؤمن
أعظم عدة ومتاع للمؤمن السائر إلى الله، وخاصة طالب العلم، هو تزكية النفس من الكبر والإعجاب، وتحليتها بالإنابة والافتقار، ورؤية نقصها والانشغال بعيوبها، والتنقيب والتتبع لآفاتها وآثامها. لقد جعل الصحابي الزاهد الفقيه أبو الدرداء من خصيصة الفقه وعلامته "مقت النفس في ذات الله".
اكتشاف الكبر وعلاجه
تكمن صعوبة مداواة الكبر في أن صاحبه غالبًا لا يشعر به ولا يعترف بوجوده. ولكن يمكن اكتشافه من خلال بعض القرائن، مثل:
- ضيق الصدر بالنصح: عدم تقبل النقد البناء.
- حب الجرح والقدح: الميل إلى انتقاد الآخرين وتشويه سمعتهم.
- اتهام الآخرين بالكبر: عندما يتهمك الآخرون بالكبر، سواء تصريحًا أو تلميحًا، فراجع نفسك.
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الكبر والرياء، وألا يتوفنا إلا وهو راضٍ عنا.
اترك تعليقاً