مبدأ التخصص في الإسلام: سبيل النجاح والازدهار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
خلق الله الناس مختلفين، وتخصصهم سبيل للنجاح
خلق الله تعالى البشر بقدرات وملكات وأفهام متفاوتة، ويسّر لكل فرد طريقه ووجهته، مُكلفًا إياه بما يُطاق ويُحسن القيام به. فالناس لا يستوون، فمنهم القوي والضعيف، والذكى والأقل ذكاءً، والشجاع والجبان، والمتعلم والأمي. حتى المرأة خصّها الله بقدرات تميزها عن الرجل. هذا التنوع الفطري هو أساس مبدأ التخصص الذي حثّ عليه الإسلام.
التخصص: جوهر المجتمع المتكامل
يدعو الإسلام إلى التخصص في الأعمال والتكاليف الحياتية، حيث يقوم كل فرد بما يُحسن ويُتقن. التخصص يعني اقتصار الفرد أو الجماعة على فن أو عمل معين، وهو ضرورة للمجتمع المتكامل، حيث تُوزّع الأعمال والعلوم بين الأفراد بحسب قدراتهم ومواهبهم. فهو يزيد الإتقان، ويُعزز المهارة والجودة، و يُحفز الاكتشاف والاختراع، ويُحد من الفوضى، ويُوصل إلى النجاح.
أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية
يؤكد القرآن الكريم على أهمية التخصص:
-
قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122] وهذا يدل على ضرورة وجود تخصص في الدعوة وتبليغ الدين.
- وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59] وهذا دليل على أهمية الرجوع إلى أهل الاختصاص في حلّ النزاعات.
كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ بقوله: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) [رواه البخاري]. ولا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها [البقرة: 286]. كما حثّ على سؤال أهل الذكر إن لم نعلم [الأنبياء: 7].
أمثلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته
يُظهر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام تطبيقًا عمليًا لمبدأ التخصص:
- اختيار بلال بن رباح مؤذّنًا: لجمال صوته.
- اختيار مصعب بن عمير سفيرًا إلى المدينة: لنجاحه في مهمته.
- اختيار زيد بن ثابت لجمع القرآن: لقدرته العلمية.
- اختيار خالد بن الوليد قائدًا عسكريًا: لشجاعته وقدرته على القيادة.
- تحديد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة لبراعتهم في علوم معينة: كمعاذ بن جبل في الفقه، وزيد بن ثابت في القراءة، وأبي عبيدة بن الجراح في الأمانة.
حتى في اختيار القادة، لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم الجانب الكفائي، فقد رفض تولية أبي ذرّ الغفاري لمحدودية قدراته في تحمل المسؤولية.
نتائج التخصص: مجتمع متماسك ومزدهر
يؤدي عدم التخصص إلى اختلال التوازن، وفوضى، وانعدام الكفاءة، وتعطيل المصالح، وضياع الحقوق، وقلة الإنتاج، وانحسار التطور الحضاري. أما التخصص فإنه يُؤدي إلى:
- النجاح والإتقان: بقيام كل فرد بما يُجيد.
- الازدهار والتقدم: باستغلال القدرات البشرية على أكمل وجه.
- التماسك الاجتماعي: بالتعاون والتنسيق بين الأفراد.
- الحفاظ على الأمانة: بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
كما أن عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، يُؤدي إلى ضياع الأمانة، كما ورد في الحديث الشريف: ((إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة)).
قصة سعيد بن عامر الجمحي: نموذج للتخصص والإخلاص
تُجسّد قصة سعيد بن عامر الجمحي، والذي عُيّن واليًا على حمص، أهمية التخصص والإخلاص في العمل. فقد كان سعيدًا فقيرًا، ولكنه كان أمينًا مخلصًا في عمله، حتى أن عمر بن الخطاب بكى عندما علم بفقره الشديد رغم منصبه.
خاتمة: التوبة والعمل الصالح
في الختام، يجب علينا أن نؤدي الحقوق، ونقوم بالواجبات، ونراقب الله في أعمالنا، ونتقن عملنا، ونبتعد عن التنافس على الدنيا، وننشر الحب والتراحم والتسامح بيننا، ونحسن الظن بالله مع إحسان العمل. فالتوبة إلى الله، والعمل الصالح هما سبيل النجاة. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اترك تعليقاً