لا تطيعوا الكافرين: تفسير آيات قرآنية تحذّر من مسايرة أعداء الله

لا تطيعوا الكافرين: تفسير آيات قرآنية تحذّر من مسايرة أعداء الله

لا تطيعوا الكافرين: تفسير آيات قرآنية تحذّر من مسايرة أعداء الله

تتناول هذه المقالة تفسيرًا وافيًا لآيات قرآنية كريمة من سورة آل عمران، تحذر المؤمنين من طاعة الكافرين ومسايرتهم، وتوضح عواقب وخيمة تلك الطاعة، مع بيان فضل ولاية الله تعالى ونصره للمؤمنين.

نداء المؤمنين وتحذيرهم من طاعة الكفار

يبدأ الله – عز وجل – خطابه في سورة آل عمران بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149، 150]. هذا النداء يُبرز أهمية التحذير، ويوضّح اعتناء الله – سبحانه – بأمور عباده المؤمنين. وصفهم بالإيمان يُذكّرهم بحالهم، ويثبّتهم على الحق، مُبيّنًا الفرق بينهم وبين أعدائهم. كما يحثّهم على قبول ما أمرهم الله به وترك ما نهى عنه، مؤكدًا أن قبول هذه الأمر من مقتضيات الإيمان، وعدم قبوله يُعد نقصًا فيه.

الآية تُشير إلى الكفار بوصفهم من جحدوا ألوهية الله، ولم يؤمنوا برسله، يشمل ذلك اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين والملاحدة. الهدف من هذا الوصف هو التنفيّر منهم والتحذير من طاعتهم. وتُقارن هذه الآية مع آية أخرى في نفس السورة (آل عمران: ١٠٠) التي تُحذّر من طاعة فريق من أهل الكتاب، لكن هنا يُشدّد على وصفهم بالكفر، لأن بعض أهل الكتاب كانوا على خير، كما قال تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: ١١٣]. أما الكفار فجميعهم على ضلال، يسعون لإرجاع المؤمنين إلى الكفر، وهذا يُبرز بلاغة القرآن الكريم.

تفسيرات متنوعة للآية الكريمة

اختلفت تفسيرات العلماء لهذه الآية:

  • علي رضي الله عنه: فسّر الآية بأنها نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة: "ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم".
  • ابن عباس رضي الله عنه: ربط الآية بقصة أبي سفيان الذي أصاب المسلمين طرفًا ثم رجع إلى مكة بعد أن قذف الله في قلبه الرعب.
  • ابن جريج والحسن: رأيا أن المقصود بالذين كفروا هم اليهود والنصارى.

معنى "يردّوكم على أعقابكم"

التعبير القرآني "يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" يعني إرجاعهم للمؤمنين إلى حالتهم السابقة من الذل والضعف، وإضلالهم عن طريق الحق، والارتداد عن دينهم إلى الكفر. هذا التعبير يُشير إلى انتكاسة الأمر، ورجعه إلى الوراء بعد التقدم.

عواقب طاعة الكفار: الخسارة في الدنيا والآخرة

الآية تُبيّن أن طاعة الكفار تؤدي إلى خسارة فادحة في الدنيا والآخرة:

  • خسارة الدنيا: أشدّ الأشياء على العقلاء هو الانقياد للعدوّ، وإظهار الحاجة إليه.
  • خسارة الآخرة: الحرمان من ثواب الله، والوقوع في عذابه.

ولاية الله تعالى ونصره للمؤمنين

يُؤكد الله – تعالى – في الآية على أن الله هو المولى الحقيقي للمؤمنين، وهو خير الناصرين: ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾. هذا التوكيد يُبطل ما سبقه من تحذير من طاعة الكفار، ويُشير إلى أن نصر الله هو النصر الحقيقي، وهو نصر شامل في الدنيا والآخرة.

نوعا ولاية الله:

يُميّز الفقهاء بين نوعين من ولاية الله:

  1. ولاية عامة: تشمل جميع الخلق، سواء بنصر أو بخذلان.
  2. ولاية خاصة: خاصة بالمؤمنين، وهي تولي الله لهم اللطف والعناية والتوفيق.

هذا التمييز يُؤكد على أهمية ولاية الله الخاصة للمؤمنين، والتي تقتضي اتباع سبيلهم، وعدم طاعة أعدائهم.

صفات نصر الله:

يُبرز الله – سبحانه – تفوق نصره على نصر أيّ كان:

  • قدرة الله: هو القادر على نصرتك في كل ما تريد.
  • علم الله: لا يخفى عليه دعاؤك وتضرعك.
  • كرم الله: لا يبخل في جوده.
  • شمولية النصر: ينصرك في الدنيا والآخرة.
  • استباق النصر: ينصرك قبل سؤالك.
  • خيرية النصر: نصر الله خير من نصر أيّ كان.

الخاتمة: تحذير عام للمؤمنين

تُحذّر الآية الكريمة المؤمنين في جميع الأجيال والأحوال من طاعة الكافرين، وعدم مسايرتهم، لأن ولايتهم ليست كولاية الله، وأن من يتولاهم ويستنصر بهم يتولى قومًا غضب الله عليهم. تُبيّن الآية أن إطاعة الكفار تؤدي إلى نتائج وخيمة: الردّ على الأعقاب، والخسارة في الدنيا والآخرة. في المقابل، يُؤكد الله – تعالى – على ولايته ونصره للمؤمنين، وهو خير الناصرين.

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *