الشرق الأوسط بعد الضربة: تحليل توماس فريدمان لتداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران

الشرق الأوسط بعد الضربة: تحليل توماس فريدمان لتداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران

مقدمة

في تحليل عميق ومثير للتفكير، يتناول الكاتب الأميركي توماس فريدمان تداعيات الهجوم الإسرائيلي على البنية التحتية النووية الإيرانية، واصفًا إياه بأنه نقطة تحول محتملة في تاريخ الشرق الأوسط. يقارن فريدمان هذا الحدث بحروب حاسمة أخرى غيرت وجه المنطقة، مؤكدًا على أن تبعاته قد تكون بعيدة المدى وغير قابلة للتنبؤ بشكل كامل. فهل نحن على أعتاب شرق أوسط جديد؟

سيناريوهات ما بعد الهجوم: من التغيير الجذري إلى الفوضى الشاملة

يرسم فريدمان ثلاثة مسارات محتملة لما بعد الهجوم، تتراوح بين التفاؤل الحذر والتشاؤم العميق:

  • السيناريو المتفائل: سقوط النظام الإيراني واستبداله بحكومة أكثر اعتدالًا وعلمانية، وهو ما قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الاستقرار والتعاون الإقليمي.

  • السيناريو المتشائم: اشتعال المنطقة بأكملها، وتورط الولايات المتحدة في صراع واسع النطاق، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية.

  • الحل الوسط التفاوضي: يرى فريدمان إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت، حيث يستغل الهجوم كورقة ضغط لفتح قنوات اتصال دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، بهدف التوصل إلى حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني.

لماذا هذا الصراع مختلف؟

يؤكد فريدمان أن هذا الصراع يتجاوز مجرد تبادل الضربات العسكرية. فإسرائيل تسعى هذه المرة إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، وهو هدف طالما سعى إليه، لكنه تأجل مرارًا وتكرارًا بسبب الضغوط الأميركية أو الشكوك حول القدرات العسكرية الإسرائيلية.

المكاسب العسكرية والتأثير الإقليمي

يشير فريدمان إلى أن النجاح في إلحاق أضرار جسيمة بالبرنامج النووي الإيراني، وإجباره على تعليق عمليات التخصيب، سيمثل مكسبًا عسكريًا كبيرًا لإسرائيل. لكن الأهم من ذلك هو التأثير المحتمل على النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، حيث دعمت طهران ميليشيات محلية لتعزيز نفوذها.

نتنياهو: بين الإقليمية البراغماتية والسياسة الداخلية

ينتقد فريدمان سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشيرًا إلى أنه يتصرف ببراغماتية في الشؤون الإقليمية، بينما تملي عليه اعتبارات السياسة الداخلية قراراته المتعلقة بالفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بمنع إقامة دولة فلسطينية. ويرى فريدمان أن هذا النهج أدى إلى توريط الجيش الإسرائيلي في "رمال غزة المتحركة"، واصفًا ذلك بأنه "كارثة أخلاقية واقتصادية وإستراتيجية".

الاستخبارات الإسرائيلية: نظرة من مسلسل "طهران"

يثير فريدمان تساؤلات حول مدى جودة المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية في إيران، وكيف تمكنت من تحديد مواقع قادة عسكريين إيرانيين وقتلهم. ويستشهد بمسلسل "طهران" كدليل على أن العديد من المسؤولين الإيرانيين مستعدون للتعاون مع إسرائيل بسبب كرههم للنظام، مما يسهل تجنيد عملاء داخل الحكومة والجيش الإيرانيين.

سيناريو الفشل: حرب استنزاف وتدخل أميركي

يحذر فريدمان من أنه في حال فشل الهجوم الإسرائيلي وتمكنت إيران من استعادة قدراتها النووية، فإن السيناريو المحتمل هو حرب استنزاف طويلة الأمد بين أقوى جيشين في المنطقة، مما سيزيد من حالة الاضطراب ويفاقم أزمة النفط. وفي هذه الحالة، قد تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل بشكل مباشر للقضاء على النظام الإيراني، وهو سيناريو له تبعات لا يمكن التنبؤ بها.

دروس من التاريخ ومستقبل الشرق الأوسط

يختتم فريدمان تحليله بالتأكيد على أن التاريخ يعلمنا أن الأنظمة الاستبدادية قد تبدو قوية حتى اللحظة التي تنهار فيها فجأة. كما يحذر من أن سقوط الاستبداد في الشرق الأوسط لا يعني بالضرورة قيام الديمقراطية، بل قد يؤدي إلى حالة اضطراب طويلة الأمد.

خاتمة

على الرغم من رغبته في سقوط النظام الإيراني، يحذر فريدمان من التداعيات المحتملة لهذا السقوط. يبقى السؤال: هل سيؤدي الهجوم الإسرائيلي إلى تغيير إيجابي في المنطقة، أم أنه سيفتح الباب أمام حقبة جديدة من الفوضى والصراعات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل الشرق الأوسط لسنوات قادمة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *