إسرائيل: كيف قادت التحولات الداخلية إلى أزمة هوية وتطرف غير مسبوق؟

إسرائيل: كيف قادت التحولات الداخلية إلى أزمة هوية وتطرف غير مسبوق؟

مقدمة: تحولات عميقة تهز أركان الدولة

لم تعد إسرائيل قادرة على إخفاء الحقائق الصادمة التي تكشف عن تحولات عميقة في بنيتها الداخلية. فالدولة التي تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية، وقائدها ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية، تشهد تصاعدًا في مظاهر التطرف والعنف، وتراجعًا حادًا في صورتها الدولية. فكيف انقلبت الأمور إلى هذا الحد؟ وما هي العوامل التي قادت إلى هذا التحول الجذري؟

تآكل الصورة الدولية: عزلة غير مسبوقة

تُظهر استطلاعات الرأي تراجعًا كبيرًا في التعاطف مع إسرائيل في الغرب. ففي أوروبا، تتراوح نسبة المؤيدين لإسرائيل بين 13% و21% فقط، وهي أدنى مستوياتها على الإطلاق. هذا التراجع يعكس استياءً متزايدًا من السياسات الإسرائيلية، خاصةً في ظل الأحداث المأساوية في غزة.

سلاح "معاداة السامية": فقدان المصداقية

لطالما اعتمدت إسرائيل على "الهاسبارا"، أو الدعاية، لحماية نفسها من الانتقادات. وشملت هذه الدعاية استخدام مفاهيم مثل "الهولوكوست"، و"معاداة السامية" كجدران حماية. إلا أن الإفراط في استخدام هذه المفاهيم، وتوظيفها لقمع أي انتقاد لسياسات إسرائيل، أدى إلى تآكل مصداقيتها وفقدانها فعاليتها.

  • إعلان القدس: في محاولة للتصدي لهذا التوجه، أصدر باحثون إسرائيليون "إعلان القدس" الذي يفرق بين معاداة اليهودية كدين وعرق، ونقد الدولة الإسرائيلية وسياساتها.
  • تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة: يرى هذا التعريف أن اليهودية والصهيونية والدولة الإسرائيلية كيان واحد، وهو ما يرفضه العديد من الباحثين والمفكرين.

صعود اليمين المتطرف: هيمنة على المشهد السياسي

تشهد إسرائيل صعودًا غير مسبوق لليمين المتطرف، وهيمنته على المشهد السياسي. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم يمينيين، وأن نسبة كبيرة منهم تؤيد تطهير غزة عرقيًا.

  • المزايدة التوراتية: أصبح التنافس على إرضاء التيار الديني المتطرف سمة بارزة في السياسة الإسرائيلية، حيث يسعى السياسيون للفوز بتأييد هذا التيار من خلال تبني مواقف متشددة.
  • تأثير الحريديم: يشكل المتدينون اليهود الحريديم قوة سياسية مؤثرة في إسرائيل، حيث يمتلكون كتلة تصويتية كبيرة ومنظمة، ويحرصون على توجيه السياسات بما يخدم مصالحهم.

فشل اليسار: من القيادة إلى التهميش

تاريخيًا، قاد اليسار الإسرائيلي الحركة الصهيونية وأسس الدولة. إلا أنه تراجع بشكل كبير في العقود الأخيرة، وأصبح مهمشًا في المشهد السياسي.

  • هجرة اليهود السوفييت والسفارديم: لم يتمكن اليسار من استيعاب هذه المجموعات الجديدة، التي انجذبت إلى اليمين بسبب عوامل مختلفة، مثل التشكيك في يهوديتهم من قبل المؤسسة الدينية، والعنصرية الأشكنازية.

نحو مستقبل مجهول: أزمة هوية وتطرف متصاعد

تشير المعطيات إلى أن إسرائيل تسير في طريق التطرف والانقسام، وأن الأجيال القادمة أكثر ميلاً إلى اليمين المتطرف. هذا التحول يهدد مستقبل الدولة، ويعيق أي فرصة للسلام مع الفلسطينيين وجيرانها.

  • الوسط الأمني: تحول جزء من اليسار إلى ما يسمى "الوسط الأمني"، الذي يركز على الأمن بدلاً من السلام، في محاولة للبقاء في اللعبة السياسية.

الخلاصة: تحولات عميقة تتطلب وقفة

إن التحولات العميقة التي تشهدها إسرائيل تتطلب وقفة جادة لإعادة تقييم المسار الذي تسلكه الدولة. فالتطرف والعنف لن يؤديا إلا إلى مزيد من العزلة والصراع، وتقويض فرص السلام والاستقرار في المنطقة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *