مقدمة: الغثائية والوهن في زمن الفتن
لم تشهد الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث مثل هذا الوهن والضعف. فبعد أن كانت في قمة العز والسؤدد، أصبحت اليوم تعاني من التشتت والصراعات الداخلية، وتواجه تحديات جسيمة من قوى خارجية. هذا الوهن ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات من حب الدنيا وكراهية الموت، والتنافس على الشهوات والمناصب الزائلة. فهل من سبيل للخروج من هذا النفق المظلم واستعادة العزة والكرامة؟
حب الدنيا رأس كل خطيئة: تحذير نبوي نبوي
لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مغبة الانغماس في الدنيا ونسيان الآخرة. فعندما أتاه مال البحرين، قال: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". هذا الحديث النبوي الشريف يلخص لنا جوهر المشكلة. فالتنافس على الدنيا والشهوات يؤدي إلى التفرق والتشرذم، ويجعل الأمة غثاء كغثاء السيل.
دروس من الحج: وحدة العبادة وغياب الوحدة الحقيقية
في كل عام، تجتمع جموع المسلمين من كل فج عميق في بيت الله الحرام، يؤدون مناسك الحج في وحدة وتآلف. هذا المشهد المهيب يجسد قوة الأمة ووحدتها. ولكن، سرعان ما يتلاشى هذا الشعور بالوحدة بمجرد عودة الحجاج إلى ديارهم. فالخلافات السياسية والمذهبية والاجتماعية لا تزال تعصف بالعالم الإسلامي، وتعيق مسيرة النهضة والتقدم. فهل أدركنا حقًا معنى الحج ومقاصده؟ أم أن الأمر اقتصر على مجرد التفويج والترتيب؟
العودة إلى الله: سبيل الخلاص من الذل
إن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع المزري هو العودة إلى الله والاعتصام بحبله المتين. يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "يَحْدُثُ للناسِ مِنَ البلاءِ على مقدارِ ما يُحْدِثُونَ مِنَ الفجورِ". فالبلاء الذي نعيشه اليوم هو نتيجة ذنوبنا ومعاصينا. لذلك، يجب علينا أن نراجع أنفسنا ونتوب إلى الله توبة نصوحة، وأن نصلح ما فسد من أعمالنا وأخلاقنا.
مخالفة شرع الله: بداية الوهن والضعف
إن مخالفة شرع الله وأحكامه هي بداية الوهن والضعف. فالله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّورِ: 63]. لذلك، يجب علينا أن نتمسك بتعاليم الإسلام ونعمل بها في جميع جوانب حياتنا، وأن نجعلها نبراسًا يضيء لنا الطريق في ظلمات الفتن.
التطبيع والهبوط: ثمن حب الدنيا
إن شهوة حب الدنيا دفعت البعض إلى التطبيع والهبوط، والتخلي عن قضايا الأمة المصيرية. فكلما أحبت الأمة الدنيا وكرهت الموت، زاد تفرقها وتشرذمها، وسُلبت أرضها ومقدساتها. لذلك، يجب علينا أن نتحرر من عبودية الدنيا ونستعلي عليها، وأن نجعل الآخرة هي هدفنا الأسمى.
الأقصى ينادي: أين العزة والكرامة؟
الأقصى ينادي مستغيثًا، ويستصرخ ضمائر المسلمين. فهل من مجيب؟ وهل من منقذ؟ إن قضية فلسطين هي قضية الأمة جمعاء، ولا يجوز لنا أن نتخلى عنها أو نتجاهلها. يجب علينا أن نناصر إخواننا في فلسطين بكل ما أوتينا من قوة، وأن ندعم صمودهم وثباتهم على أرضهم.
الموالاة للغرب: مرض العصر
إن مرض الموالاة للغرب والتنافس على إرضاء فراعنة الزمان زاد الأمر سوءًا. فتناسى البعض مجاعات أهلنا المحاصرين وتجاهلوا أي انتهاك للأقصى. لذلك، يجب علينا أن نعتز بديننا وهويتنا، وأن نرفض التبعية للغرب، وأن نسعى إلى بناء أمة قوية ومستقلة.
العزة لله: ثقتنا بالله لا حدود لها
إن ثقتنا بالله عالية، والعاقبة للمتقين. فلا عزة للمسلمين إلا باتباع دينهم. يقول الحق تعالى: "جُعِلَ الذُّلُّ والصَّغارُ على مَنْ خالَف أمري". فالعزة الحقيقية هي عزة الله، ومن اعتز بالله فلا يضام.
دروس من قصة موسى وفرعون: العزة الحقيقية
لقد توهم فرعون أنه عزيز بقوته وجبروته، ولكنه في النهاية غرق في البحر. فالعزيز على الحقيقة هو الله، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء. لذلك، يجب علينا أن نتواضع لله ونستكين لأمره، وأن نعلم أن العزة لله جميعًا.
خاتمة: بادروا بالأعمال الصالحة
في زمن الفتن، يجب علينا أن نبادر بالأعمال الصالحة، وأن نتمسك بديننا ونستقيم على طريقه. فالدنيا فانية، والآخرة باقية. فلنجعل الآخرة هي همنا وشغلنا الشاغل، ولنسعى إلى الفوز برضا الله وجنته. اللهم هيئ لهذه الأمة فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يوحد صفها ويجمع شملها. اللهم آمين.
اترك تعليقاً