علماء يعيدون خلق “حساء الكون البدائي”: اكتشافات ثورية في بلازما الكوارك-غلوون

علماء يعيدون خلق “حساء الكون البدائي”: اكتشافات ثورية في بلازما الكوارك-غلوون

علماء يعيدون خلق "حساء الكون البدائي": اكتشافات ثورية في بلازما الكوارك-غلوون

في إنجاز علمي مذهل، تمكن باحثون في مختبر بروكهافن الوطني بالولايات المتحدة من إعادة إنتاج حالة المادة التي كانت سائدة بعد لحظات قليلة من الانفجار العظيم. هذه الحالة، المعروفة باسم بلازما الكوارك-غلوون (Quark-Gluon Plasma – QGP)، تمثل "حساء" فائق الحرارة والكثافة من الجسيمات الأساسية التي تشكل اللبنات الأساسية للمادة.

ما هي بلازما الكوارك-غلوون؟

بلازما الكوارك-غلوون هي حالة من المادة توجد في درجات حرارة وكثافات عالية للغاية، حيث تتفكك البروتونات والنيوترونات إلى مكوناتها الأساسية: الكواركات و الغلونات. هذه الجسيمات، التي عادة ما تكون محصورة داخل النواة الذرية، تصبح حرة الحركة في هذه الحالة المتطرفة.

تُعتقد بلازما الكوارك-غلوون أنها كانت موجودة بعد حوالي 20 ميكروثانية من الانفجار العظيم، وهي الفترة التي سبقت تشكل البروتونات والنيوترونات.

كيف يتم إنتاج بلازما الكوارك-غلوون في المختبر؟

لإعادة خلق هذه الحالة البدائية، يستخدم العلماء مصادم الأيونات الثقيلة النسبية (Relativistic Heavy Ion Collider – RHIC) في مختبر بروكهافن. يتم تسريع نوى ذرات الذهب إلى سرعات قريبة من سرعة الضوء ثم يتم تصادمها وجهاً لوجه. هذه التصادمات تولد طاقة هائلة تؤدي إلى "ذوبان" النوى وتحرير الكواركات والغلونات.

اكتشافات ثورية تكشف أسرار الكون المبكر

الدراسة الحديثة، التي نُشرت في دورية Physical Review Letters، استخدمت طرقًا مبتكرة لدراسة بلازما الكوارك-غلوون بدقة غير مسبوقة. من بين الاكتشافات الرئيسية:

  • توزيع الطاقة في البلازما: تمكن العلماء من إجراء أول قياس مباشر لكيفية توزيع الطاقة داخل البلازما، مما يوفر رؤى جديدة حول خصائصها الديناميكية.

  • بلازما الكوارك-غلوون كسائل فائق الميوعة: أظهرت الدراسة أن البلازما تتفاعل مع الجسيمات عالية الطاقة (النفاثات) كسائل فائق الميوعة، وهي مادة غريبة تتدفق دون مقاومة تقريبًا.

    • السوائل فائقة الميوعة: خصائص فريدة: تتميز السوائل فائقة الميوعة بخصائص غير عادية، بما في ذلك:
      • انعدام اللزوجة: تتدفق دون احتكاك داخلي تقريبًا.
      • التدفق الدائم: يمكنها التدفق إلى الأبد في حلقة مغلقة دون توقف.
      • التسلق على الجدران: يمكنها التسلق على جدران الحاوية من تلقاء نفسها.
      • المرور عبر الفتحات الصغيرة: يمكنها المرور عبر فتحات صغيرة جدًا لا تستطيع السوائل العادية المرور منها.
  • حل لغز "تخميد النفاثات": الدراسة تقدم تفسيراً مقنعاً لظاهرة "تخميد النفاثات"، حيث تفقد الجسيمات عالية الطاقة طاقتها أثناء مرورها عبر البلازما. تبين أن الطاقة المفقودة لا تختفي، بل تتحول إلى حركة جانبية تظهر في صورة موجات في البلازما.

الآثار المترتبة على فهمنا للكون

تفتح هذه النتائج الباب أمام فهم أعمق لتكوين المادة الأساسية التي نشأ منها الكون، وكيف تحولت الكواركات والغلونات الحرة إلى بروتونات ونيوترونات. كما أنها توفر بيانات جديدة تتحدى النظريات الحالية في فيزياء الطاقة العالية وتحفز تطوير نماذج أكثر دقة.

باختصار، هذه التجارب لا تعيد فقط خلق "حساء الانفجار العظيم" في المختبر، بل تساعدنا أيضًا على فهم اللحظات الأولى من وجود الكون وكيف تطورت المادة إلى ما هي عليه اليوم.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *