“فيلة صغيرة في بيت كبير”: هل هو رواية أم سرد ذاتي؟ قراءة نقدية في تصنيف العمل الأدبي

“فيلة صغيرة في بيت كبير”: هل هو رواية أم سرد ذاتي؟ قراءة نقدية في تصنيف العمل الأدبي

مقدمة: خداع التصنيف وأهميته

غلاف يحمل كلمة "رواية" قد يكون سرابًا يضلل القارئ، تمامًا كما هو الحال مع نص "فيلة صغيرة في بيت كبير" لنور أبو فراج. هذا التضليل يتجاوز الغلاف ليصل إلى توقعات القارئ. لكن، لماذا نهتم بتصنيف العمل الأدبي؟ ألا يكفي أن يكون النص جميلاً؟

نحن نحتفي بالأعمال الأدبية المتميزة، لكن لكل جنس أدبي خصائصه المميزة. تقديم عمل على أنه رواية بينما يفتقر إلى مقوماتها الأساسية يخلق خيبة أمل مماثلة لخيبة مشاهدة مسرحية بدلًا من فيلم سينمائي. لا يقلل هذا من قيمة المسرحية، لكنه يثير تساؤلاً مشروعًا عن سبب الخلط بين الأجناس الأدبية.

الحداثة الأدبية وتحديات التصنيف

يدعي البعض أننا نعيش في عصر الحداثة الأدبية، حيث تتقاطع الأجناس وتتلاشى الحدود بين الرواية والقصة والشعر. لكن هذا الطرح يثير أزمة حقيقية: من قرر تجريد الأجناس الأدبية من جوهرها؟ وما قيمة الأدب إذا فقد تميزه؟ هل الإبداع يعني الفوضى وهدم الأسس النقدية الراسخة؟

"فيلة صغيرة في بيت كبير": نافذة مغلقة على عالم الرواية

نص نور أبو فراج جميل، لكنه يفتقر إلى العناصر الأساسية التي تجعله رواية. تبدأ القراءة بإعجاب بلغة الكاتبة الرشيقة ودقتها في وصف أزماتها النفسية وعلاقاتها بالآخرين، سواء كانوا أفراد أسرتها، أصدقائها، الأماكن التي عاشت فيها، أو حتى ذاتها الضائعة في ظل الحرب.

الفصول القصيرة، التي لا تتجاوز أربع صفحات في أغلبها، تقدم قصة تبدو شخصية للغاية. التفاصيل الكثيرة عن بطلة العمل، من عمرها ودراستها واسمها ورغبتها في الكتابة، تجعلنا نعتقد أن نور تكتب عن نفسها، وأن نور هي محور كل شيء.

غياب الشخصيات والحبكة: الذات المهيمنة

يبدأ النص من الذات وينتهي بها، مما يقضي على أي فرصة لظهور شخصيات أخرى منافسة. وإذا غابت الشخصيات، فماذا يتبقى من الرواية؟ الحبكة، بدورها، مفقودة. النص ينتقل من فكرة إلى أخرى ومن مشهد إلى آخر دون خيط رابط، كمن يقفز بين جبال عائمة غير مستقرة.

أحد أهم سمات الرواية الناجحة هو انفصال صوت الراوي عن صوت الكاتب، وهو ما لم يتحقق هنا. نور الكاتبة هي نسخة طبق الأصل من نور في الكتاب، وهذا ليس عيبًا بحد ذاته، لكنه يصبح مشكلة عندما يُقدم العمل على أنه رواية.

أدب الشذرات أم رواية؟

"فيلة صغيرة في بيت كبير" أقرب إلى أدب الشذرات أو الخواطر، وهو نوع من الكتابة يفتقر إلى القواعد اللغوية والبنى المعمارية التي تميز الأجناس الأدبية الفنية.

غياب التحول الفني والأدبي

الأزمة الحقيقية في هذا النص هي غياب التحول الفني والأدبي. القارئ ينهي قراءة النص دون أن يشعر بأي تغيير أو صدمة. لا يوجد تنوع في الأصوات أو مسافات جمالية. نحن لا نقرأ عن شخصية متطورة، بل عن الكاتبة نفسها، عن همومها وصراعاتها الداخلية، وعن المجتمع الذي قسمها إلى شخصيتين متناقضتين.

الرواية: معمار سردي له أسس وتقنيات

يجب أن نذكر كتابنا ودور النشر بأن الرواية هي معمار سردي أدبي له أسس وتقنيات: شخصيات تتطور، أزمنة وأمكنة تتغير، حبكات وقصص تنمو، صراعات تتصاعد، ونهاية قد ترضي القارئ أو تخيب آماله. غياب عنصر واحد قد يكون مقبولًا، لكن غياب كل هذه العناصر والإصرار على تصنيف العمل كرواية يسقطه مهما كان جميلاً.

لغة عميقة وأنيقة

لا يمكن إغفال الجودة اللغوية للنص. لغة نور عميقة في المعنى، دقيقة في الوصف، متأنية في التعبير، وصادقة في المشاعر. النص خالٍ تقريبًا من الأخطاء النحوية والدلالية، وهو أمر نادر في الرواية العربية المعاصرة.

"فيلة صغيرة في بيت كبير" نص جميل من حيث الأفكار المطروحة واللغة السلسة والتقسيم الفني للفصول. الغلاف أنيق والعنوان ذكي.

اعتراف الكاتبة: بصيص أمل

في حوار مع الكاتبة نور أبو فراج، ذكرت أنها غير مقتنعة بأن كتابها هو رواية بالفعل. هذه الفكرة تبعث على التفاؤل، لأنها تؤكد أن هناك من يشاركنا الرأي، والأجمل أن هذا الشخص هو كاتب العمل نفسه.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *