صلة الرحم: طريقك إلى الجنة وسبيل النجاة من قطيعتها المهلكة


مقدمة: أهمية صلة الرحم في الإسلام

أيها المسلمون، إن من أعظم ما حثنا عليه ديننا الحنيف هو صلة الأرحام، تلك الرابطة التي أوصى بها الله تعالى في كتابه العزيز، وجعلها من أسباب رضاه ورحمته. ففي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، دليل قاطع على مكانة صلة الرحم في ديننا الحنيف.

لم تقتصر هذه الفضيلة على أمتنا فحسب، بل كانت جزءًا من تعاليم الأنبياء والمرسلين السابقين، مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة: 83].

إن صلة الرحم هي طاعة لله وامتثال لأوامره، وهي سبيل لنيل رضاه وجنته. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21].

فضل صلة الرحم في السنة النبوية

لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم في مناسبات عديدة، وجعلها من أولويات الأعمال الصالحة. فعند قدومه المدينة، كان أول ما قاله: "يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام". (رواه أحمد).

وفي قصة أبي سفيان مع هرقل، ذكر أبو سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بـ: "اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والصلة". (رواه البخاري ومسلم).

ولعظم فضلها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى وإن كان القريب مشركًا، كما في قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حين استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في صلة أمها المشركة، فأمرها بصلتها.

ثمرات صلة الرحم في الدنيا والآخرة

تتعدد ثمرات صلة الرحم وتتجاوز حدود الدنيا إلى الآخرة، فمنها:

  • المحبة والألفة وتقوية الروابط الأسرية: قال صلى الله عليه وسلم: "تعلَّموا من أنسابكم ما تصِلُون به أرحامكم؛ فإن صِلة الرَّحِم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر". (رواه أحمد، والترمذي، وصَحَّحَه الألباني).
  • سعة الرزق والزيادة في العمر وحسن الخاتمة: قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّه أن يُبْسَط له في رزقه، ويُنْسأ له في أثره؛ فليَصِل رَحِمَه". (متفق عليه).
  • تعمير الديار وزيادة البركة في الأموال: قال صلى الله عليه وسلم: "صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار؛ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار". (رواه أحمد، وصححه الألباني).

خطورة الهجر وقطيعة الأرحام: تحذير شديد

على الرغم من هذه الفضائل العظيمة لصلة الرحم، إلا أن الكثير من الناس يهملونها ويقعون في قطيعتها، مما يجلب عليهم الوبال في الدنيا والآخرة. فما هي خطورة الهجر وقطيعة الأرحام؟

  1. الإفساد في الأرض: قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].
  2. نقض العهد مع الله: قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27].
  3. الوقوع فيما لم يحله الله: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام". (رواه البخاري).
  4. قطع الصلة مع الله: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل مَنْ وصلك، وأقطع مَنْ قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك". (متفق عليه).
  5. اللعنة والسخط من الله: قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23].
  6. عدم قبول الأعمال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم". (رواه أحمد، وحسَّنه الألباني).
  7. تأخير المغفرة: قال صلى الله عليه وسلم: "تُفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا". (رواه مسلم).
  8. تعجيل العقوبة في الدنيا: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم". (رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
  9. الحرمان من دخول الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع". (متفق عليه).

أسباب الوقوع في الهجر وقطيعة الأرحام وكيفية تجنبها

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى قطيعة الرحم، ومن أهمها:

  1. الجهل وضعف الإيمان: يجب علينا أن نتعلم فضل صلة الرحم وعقوبة قطيعتها، وأن نستشعر عظمة هذا الأمر في ديننا.
  2. مقابلة الإساءة بالإساءة: يجب علينا أن نعفو ونتسامح، وأن نرد الإساءة بالإحسان، مصداقًا لقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
  3. سوء الظن وكثرة المعاتبة: يجب علينا أن نحسن الظن بأقاربنا، وأن نتجنب كثرة اللوم والعتاب، وأن نتذكر أن الظن أكذب الحديث.
  4. الانشغال بالدنيا والتنافس عليها: يجب علينا أن نضع الآخرة نصب أعيننا، وأن لا نجعل الدنيا تفرق بيننا وبين أرحامنا.
  5. **تأخير قسمة الميراث

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *