إسرائيل بين القوة والهشاشة: قراءة في الاستراتيجية والمستقبل في ظل التحديات المتصاعدة

إسرائيل بين القوة والهشاشة: قراءة في الاستراتيجية والمستقبل في ظل التحديات المتصاعدة

مقدمة: وهم المبادرة في لعبة السياسة والحرب

في عالم السياسة والحرب، غالبًا ما يكون الإيحاء بالسيطرة والقيادة أكثر أهمية من الانتصار الفعلي. القدرة على إقناع الخصوم، والجمهور، والحلفاء بأنك أنت من يوجه الأحداث، حتى لو كنت على حافة الهاوية، يمكن أن يغير مسار اللعبة. هذا المنطق يفسر إلى حد كبير سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أعقاب التصعيد الأخير مع إيران.

نتنياهو: هروب إلى الأمام أم استعراض قوة؟

في ظل الفشل في تحقيق نصر حاسم في غزة، وتصاعد الضغوط الداخلية، يبدو أن نتنياهو اختار "الهروب إلى الأمام" من خلال سلسلة من الضربات النوعية في العمق الإيراني. هذه الضربات، إلى جانب الخطاب الناري والرسائل المتناقضة، هدفت إلى استعادة صورة الزعيم القوي الذي يمسك بزمام الأمور، حتى وإن كانت هذه الخيوط تحترق.

معضلة إسرائيل الاستراتيجية حتى منتصف 2025

بحلول منتصف عام 2025، تواجه إسرائيل مشهدًا استراتيجيًا معقدًا:

  • جمود في غزة: لا نصر عسكري واضح، ولا اتفاق تبادل أسرى في الأفق.
  • ضغوط أمريكية: إدارة ترامب تمارس ضغوطًا خجولة لوقف إطلاق النار، مع تردد في واشنطن بشأن الانجرار إلى صراع أوسع.
  • تحديات داخلية وخارجية: الجيش منهك، المجتمع الدولي ينتقد، الجبهة الشمالية مفتوحة، الضربات الحوثية مستمرة، والداخل الإسرائيلي يعاني من الصواريخ، وتراجع الثقة، والانقسام السياسي.

خيارات صعبة على طاولة النقاش

في ظل هذا الانسداد، بدأت تتبلور نقاشات جريئة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية:

  • صفقة تبادل كبرى: هل حان الوقت لإبرام صفقة تبادل أسرى شاملة في غزة، حتى لو تم تسويقها على أنها هزيمة؟
  • معركة جديدة: هل المطلوب هو تصعيد جديد يعيد ترتيب الأوراق ويخرج إسرائيل من الحصار الاستراتيجي؟

التصعيد ضد إيران: حسابات نتنياهو المزدوجة

بالنسبة لنتنياهو، كان خيار الصفقة محفوفًا بالمخاطر لأنه قد يمثل نهاية مسيرته السياسية. أما التصعيد ضد إيران، فقد كان ورقة مزدوجة:

  1. تحويل الأنظار: إبعاد الاهتمام عن المشاكل الداخلية والخارجية.
  2. جر أمريكا إلى التدخل: دفع الولايات المتحدة نحو الانخراط المباشر في الصراع، خاصة في ظل رغبة الجميع، بمن فيهم ترامب، في التهدئة.

حدود القوة الإسرائيلية والحاجة إلى الدعم الأمريكي

يدرك القادة الإسرائيليون، بمن فيهم رئيس الأركان المتشدد إيال زمير، أن إسرائيل بمفردها لا تستطيع تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة. ومع ذلك، تمتلك إسرائيل القدرة على التصعيد المدروس وخلق أزمة دولية تجبر واشنطن على التحرك.

هل التدخل الأمريكي يهدف إلى تسوية أوسع؟

السؤال الأهم هو: هل جاء التدخل العسكري الأمريكي لإنهاء التهديد الإيراني بشكل كامل، أم أنه مجرد ورقة ضغط لتمهيد الطريق لتسوية أوسع مع طهران، قد تتجاوز الحسابات الإسرائيلية وتعيد رسم المشهد الإقليمي؟

الخطاب الناري في مواجهة الحقائق على الأرض

في الداخل، لجأ نتنياهو إلى الخطاب الناري المعهود، لكن الحقائق على الأرض تظل ثابتة: إسرائيل لا تستطيع الاستغناء عن الدعم الأمريكي. إسقاط النظام الإيراني، تدمير المنشآت النووية، أو التوصل إلى صفقة دبلوماسية، كلها تتطلب تدخل واشنطن.

إسرائيل أمام خيارين: التنازل أم الإشعال المنفرد؟

هل ستتنازل إسرائيل وتشارك واشنطن في صياغة الحل النهائي، أم ستحاول الاحتفاظ بحق إشعال النار بمفردها؟

المبالغة في تقدير القوة وكشف الهشاشة

في محاولة لتضخيم الحدث، لجأ مسؤولون وكتاب إسرائيليون إلى استعارات تاريخية مبالغ فيها، لكن هذا الغرق في التاريخ كشف عن هشاشة أكثر مما عكس قوة. الرد الإيراني السريع، وإن كان محدودًا، أدى إلى حالة من الذعر وفرض إجراءات رقابية مشددة.

التداعيات الداخلية: تعويضات وتهجير وتراجع السياحة

على الجبهة الداخلية، تسببت الضربات في أضرار واسعة النطاق، وتهجير السكان، وتراجع السياحة، لكن الشارع لم ينفجر بعد.

تسويق الحرب كقضية وجودية: تكتيك نتنياهو للبقاء

نجح نتنياهو في تسويق الحرب كقضية "وجودية"، مما ساعده على إخفاء ملامح الانكسار السابق والآتي. لكن هذا التماسك قد لا يصمد طويلًا إذا طال أمد الحرب أو فشلت في تغيير قواعد اللعبة.

الرد الإيراني: تعريف جديد للمعركة

الرد الإيراني، رغم محدوديته، أعاد تعريف المعركة في الوعي الإسرائيلي، حيث اعتبرته بعض التحليلات ردًا محسوبًا يُظهر القدرة دون الانجرار إلى حرب شاملة، بينما رأت دوائر أخرى أنه يؤكد اختراق إسرائيل "خطوطًا حمراء" إيرانية.

تباين الآراء بين النخب السياسية والأمنية

التباين في وجهات النظر لا يقتصر على المؤسسات البحثية، بل يمتد إلى النخب السياسية، حيث يحذر البعض من "مغامرة بلا استراتيجية"، بينما يعبر آخرون عن قلقهم من أن "يدخلنا نتنياهو في مواجهة مفتوحة من أجل بقائه السياسي".

استراتيجية إسرائيل تجاه إيران: التشويه والتفكيك

تتعامل إسرائيل مع إيران بطريقة مختلفة عن تعاملها مع حركات المقاومة، حيث تركز المعركة مع إيران على تدمير البنى التحتية السيادية، وتفكيك الردع، وتحويل الدولة إلى "سماء مستباحة"، بهدف التشويه الكلي للصورة الإيرانية ودفعها نحو الفشل الذاتي.

إسرائيل أمام مفترق طرق: الهشاشة في مواجهة التحديات

إسرائيل اليوم ليست فقط أمام مفترق طرق، بل أمام مرآة قد تكشف هشاشتها العميقة: الفشل في تحقيق الأهداف في غزة، حالة الاستنزاف الداخلي، فقدان الشرعية الدولية، ومطالبة الحلفاء بالتهدئة.

الضربة على إيران: قشة أخيرة أم قفزة في الفراغ؟

في خضم هذا التآكل، تأتي الضربة على إيران كمحاولة أخيرة لإعادة الإمساك بالمسرح، لكنها قد تكون أيضًا القفزة الأخيرة في الفراغ، إذا لم تتبعها صفقة تنهي حرب غزة أو اتفاق يجمد النووي الإيراني.

غياب استراتيجية الخروج: المأزق الحقيقي

الخطر الحقيقي لا يكمن في حجم الضربة، بل في غياب استراتيجية الخروج. المأزق لا يتجسد في طهران أو غزة فقط، بل في عجز إسرائيل عن ترجمة فائض القوة إلى إنجاز سياسي مستدام.

الخلاصة: قوة ظاهرية وهشاشة كامنة

في النهاية، تبدو إسرائيل الآن أكثر قوة من أي وقت مضى، لكنها في الوقت نفسه أكثر هشاشة من أي وقت مضى، خاصة في ظل غياب خطة واضحة وشركاء حقيقيين. ما يبدو كخطوة هجومية متقدمة، قد يتحول إلى خط الانكسار.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *