التوكل على الله: كيف تتجاوز قلق الاحتمالات وتجد الطمأنينة


في رحلة الحياة المليئة بالابتلاءات، قد يكون الشعور بالضياع والتردد هو أشد ما يثقل كاهل النفس. الأسئلة التي لا تجد لها إجابات، والاحتمالات المتشعبة التي تحاصرنا من كل جانب، تخلق حالة من التوتر والقلق تعيق قدرتنا على اتخاذ القرارات الصحيحة. الحقيقة، مهما كانت مؤلمة، تمنحنا القدرة على المواجهة والتصرف، سواء بالتسليم والرضا، أو بالدعاء واللجوء إلى الله، أو باتخاذ خطوات عملية نحو الأمان. أما الاحتمالات، فهي عالم رمادي يعطل التفكير، ويجمد التوكل، ويستنزف طاقة النفس في دوامة من الفرضيات التي لا تنتهي.

ليلة الشك أطول من ليالي اليقين

لماذا تبدو ليلة الشك أطول من ليالي اليقين؟ لأن الزمن في ظل الاحتمالات لا يُقاس بالدقائق والساعات، بل بمقدار القلق الذي يستوطن القلب. الاحتمال ينهك الروح، لأنه يعلق العبودية الحقيقية لله. فهو لا يبني الصبر على أساس الحقيقة، ولا يثمر الطمأنينة التي تنبع من الحسم واليقين. بل يترك القلب تائهاً بين المجهول والمعلوم، وهذه هي أشد أنواع الغربة: أن لا تجد في قلبك قراراً تسير عليه، ولا يقيناً تركن إليه.

الطمأنينة في الثقة بمن بيده النتيجة

القرآن الكريم يعلمنا أن الطمأنينة لا تأتي من وضوح النتيجة، بل من الثقة بمن بيده مقاليد الأمور. تأمل في قصة إبراهيم عليه السلام، الذي لم يتردد بين احتمال السلامة والنار، بل نطق بكلمات اليقين: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". وتأمل في ثبات موسى عليه السلام وهو يواجه احتمالات الغرق، ليقول بكل يقين: "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ".

التوكل: القاعدة الإيمانية التي تُبطل سحر الاحتمال

هذه هي القاعدة الإيمانية التي تُبطل سحر الاحتمال وتكسر شوكته: أن العبد لا ينجو بكثرة السيناريوهات، بل بواحد منها: التوكل على الله. ولا يطمئن بجمع الاحتمالات، بل بإسقاطها جميعاً بين يدي من لا يخيب من توكل عليه. نحن لا نتعب من الأحداث نفسها، بل من تردد القلب أمامها. ولا نحزن من المجهول، بل من غياب اليقين في لحظة الحاجة إليه.

كيف تثبت قلبك في لحظة الاحتمال؟

إذن، ما هو أول ما يجب على المؤمن فعله في لحظة الاحتمال؟ ليس طلب الجواب السريع، بل تثبيت القلب على الثقة بالله قبل أن تتضح النتائج. فإذا تحقق ذلك، سقطت كل سيناريوهات الوجع، وأصبح الزمن – مهما طال – محفوفاً بالسكينة، وأصبحت النتيجة – مهما اشتدت – محمولة على جناح الصبر الجميل.

من "ماذا سيحدث؟" إلى "من الذي بيده الأمر؟"

إذا أردت النجاة من جحيم الاحتمالات، فابدأ بتغيير سؤالك: بدلاً من "ماذا سيحدث؟" اسأل "من الذي بيده أن يقدر ما يشاء ويختار ما هو خير لي؟". حينها فقط، سيتفتح في قلبك باب كتب عليه: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ".

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *