محمد الشوبي: رحلة فنان بين خشبة المسرح وشاشات الدراما العربية

محمد الشوبي: رحلة فنان بين خشبة المسرح وشاشات الدراما العربية

محمد الشوبي: رحلة فنان بين خشبة المسرح وشاشات الدراما العربية

رحيل قامة فنية: وداعاً محمد الشوبي

برحيل الممثل المغربي القدير محمد الشوبي، تطوي الساحة الفنية صفحة مشرقة من الإبداع والالتزام. مسيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود، حفر خلالها اسمه بحروف من نور في ذاكرة المسرح والتلفزيون والسينما المغربية والعربية. الشوبي، الذي غادرنا عن عمر يناهز الـ 62 عامًا، لم يكن مجرد ممثل، بل كان فنانًا شاملاً، مثقفًا، وناقدًا اجتماعيًا جريئًا.

مسيرة حافلة بالإبداع: من الهواية إلى الاحتراف

ولد محمد الشوبي في مدينة مراكش الساحرة عام 1963، وشق طريقه نحو عالم التمثيل منذ نعومة أظفاره. شغفه المبكر بالمسرح دفعه للانضمام إلى فرق الهواة، حيث صقل موهبته واكتسب الخبرة اللازمة. إيمانه بأهمية الدراسة الأكاديمية قاده إلى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي في الرباط، حيث تخرج عام 1990، ليبدأ رحلة احترافية زاوجت بين الالتزام الفني والبصمة الشخصية.

المسرح: عشق أزلي

لم يتخل الشوبي عن عشقه للمسرح طوال مسيرته الفنية. شارك في العديد من العروض المسرحية التي تركت بصمة واضحة في الذاكرة المسرحية المغربية، من بينها:

  • "صوت وضوء" للطيب الصديقي
  • "الحصار" للحسن إدريسي
  • "خربوشة" لحبيب لصفر
  • "الباب المسدود" ليوسف فاضل
  • "العازب" لجمال الدين الدخيسي

لم يكتف الشوبي بالتمثيل، بل خاض تجربة الإخراج المسرحي، وقدم أعمالاً مثل:

  • "ارتجال"
  • "هستيريا"
  • "المدينة والبحر"
  • "حروف الكف"
  • "مرتجل"
  • "رسائل خطية"

أعمال عكست رؤيته الخاصة للمسرح، وحرصه على التجريب والتجديد في القالب والشكل.

التلفزيون والسينما: بصمة لا تُنسى

إلى جانب المسرح، ترك محمد الشوبي بصمة مميزة في التلفزيون والسينما. بدأ مسيرته التلفزيونية بمسلسل "أولاد الناس"، ثم توالت مشاركاته في أعمال ناجحة مثل:

  • "مول لمليح"
  • "هاينة"
  • "دقات القدر"
  • "دموع الرمال"
  • "دار الغزلان"
  • "صقر قريش"
  • "المجدوب"
  • "علام الخيل"

وفي السينما، شارك في أفلام بارزة من بينها:

  • "الوشاح الأحمر"
  • "جوق العميين"
  • "الصالحة"
  • "تسقط الخيل تباعا"
  • "شجرة الزاوية"
  • "ظل الجريمة"

حضور عربي: تألق في أعمال تاريخية

تميز الشوبي بقدرته على تجسيد شخصيات مركبة ومتنوعة، مما سمح له بالتألق في عدد من الإنتاجات المغربية والعربية، منها أعمال درامية شهيرة للمخرج الراحل حاتم علي مثل "ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف"، التي أسهمت في تعزيز حضوره كأحد أبرز الوجوه المؤثرة في المشهد الفني العربي.

صوت جريء: نقد لاذع وانسحاب مؤقت

لم يكن محمد الشوبي مجرد وجه مألوف على الشاشة، بل كان صوتًا ناقدًا داخل الوسط الفني، لا يتردد في التعبير عن آرائه مهما كلفه ذلك من تبعات. فنان حمل همّ الواقع الثقافي والاجتماعي، واتخذ مواقف صريحة وجريئة، عرضته أحيانًا للتهميش. وفي مارس 2022، أعلن انسحابه المؤقت من الساحة الفنية، احتجاجًا على ما اعتبره "فسادًا ينخر جسد المهنة".

وداع مؤلم: رحيل بصمت

في أغسطس 2023، واجه الشوبي حملة إشاعات تحدثت عن وفاته، ورد عليها بأسلوب ساخر وموجع. خاض معركته الأصعب بصمت داخل أحد مستشفيات العاصمة الرباط، بعدما أنهكه مرض الكبد. رحل بهدوء، بعد رحلة فنية صاخبة بالإبداع والصدق.

إرث باق: ذكرى لا تُمحى

برحيله، لا يغيب الشوبي عن المشهد، بل يخلّد حضوره من خلال أدوار صنعت له مكانة خاصة في قلوب الجمهور، وأثرًا ممتدًا في ذاكرة المسرح والتلفزيون والسينما. سيبقى محمد الشوبي في الذاكرة كفنان ملتزم، مثقف، وصوت جريء دافع عن قيمه ومبادئه حتى النهاية.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *