قيمتك عند الله: كيف تكون غالياً في عيون الخالق؟
تُعدّ الحياة الدنيا مرحلةً عابرة، لكنّ ما نتركه من أثرٍ صالحٍ يبقى خالداً. فكيف نكون غالين عند الله تعالى، ونحظى بمكانةٍ ساميةٍ في الآخرة؟ يُجيب هذا المقال على هذا السؤال المهم، مستعرضاً نماذج من حياة الصحابة والتابعين، وكيف تمثّلوا قيم الإيمان والعبادة والتضحية.
أولاً: الإنسان غالٌ بعقيدته الراسخة
الإيمان بالله تعالى، والتمسك بدينه، هو أساس كل خيرٍ. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256]. وهذه الآية الكريمة تُبرز أهمية التمسك بالإيمان الراسخ كعروةٍ وثقى لا انفصام لها.
أمثلة من السيرة النبوية:
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كان مثالاً يُحتذى به في الإيمان والثبات. حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم، أعلن الخبر للناس بقوة إيمانه وثباته، مُذكّراً إياهم بقول الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144].
- الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: دافع عن عقيدته بشجاعةٍ وإخلاصٍ، رافضاً التنازل عن الحقّ، مُفضّلاً السجن على ترك الحقّ.
- سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما: مثّل الشجاعة والإيمان في حمل الراية بعد مقتل زيد بن الخطاب رضي الله عنه، مُظهراً إخلاصه ودفاعه عن الدين.
- خالد بن الوليد رضي الله عنه: كان سيف الله المسلول، رمزاً للشجاعة والثبات في سبيل الله، مُفضّلاً اللجوء إلى الله تعالى في أصعب المواقف، رافضاً أيّ تراجعٍ أو خوفٍ. "لا إلى سلمى ولا إلى أجا، ولكن إلى الله الملتجا".
- بلال بن رباح رضي الله عنه: تحمّل العذاب الشديد في سبيل الله، مُستخفياً بذكر الله تعالى، "أحدٌ أحد"، مُثبتاً إيمانه الراسخ.
ثانياً: الإنسان غالٌ بعبادته الخاشعة
العبادة الخالصة لله تعالى، بإخلاصٍ وتواضعٍ، هي طريقٌ إلى رضا الله تعالى. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14، 15].
أمثلة من السيرة:
- عثمان بن عفان رضي الله عنه: كان رقيق القلب، غزير الدمع، يُكثر من قراءة القرآن الكريم ويبكي خشيةً من الله تعالى.
- أبو مسلم الخولاني رحمه الله: كان يُجتهد في العبادة، يُكلف نفسه فوق طاقتها، مُبيناً حرصه على التقرب إلى الله تعالى.
- أبو حنيفة رحمه الله: كان يُحيي الليل بالصلاة والدعاء والتضرع، مُجسداً التواضع والخشوع في عبادته.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كان يصلي في مسجده الخاص، يُظهر خشوعه وتأثره بقراءة القرآن الكريم.
ثالثاً: الإنسان غالٌ بتضحياته في سبيل الله
التضحية في سبيل الله تعالى، بذل النفس والمال والوقت، هو من أعظم الأعمال الصالحة. قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 207].
أمثلة من السيرة:
- عمير بن الحمام رضي الله عنه: ضحّى بحياته في سبيل الله تعالى في غزوة بدر، مُبيناً شوقه للقاء الله تعالى.
- عثمان بن عفان رضي الله عنه: هاجر مرتين، وحفر بئر رومة، وتصدق بماله في سبيل الله تعالى، مُجسداً الكرم والجود.
- صهيب الرومي رضي الله عنه: تخلّى عن ماله كله للهجرة إلى المدينة، مُبيناً إيمانه الراسخ وتضحيته في سبيل الله.
- سعد بن معاذ رضي الله عنه: دافع عن الإسلام بشجاعةٍ، وأسلم قومه، مُظهراً حبه لله ورسوله.
من رخص عند الله وعند الناس
يُحذر هذا القسم من الرياء في الأعمال، فإنّ النية الخالصة لله تعالى هي أساس قبول العمل. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "…فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ". وهذا يُبرز أهمية إخلاص النية لله تعالى في جميع الأعمال.
ختاماً، إنّ طريق الوصول إلى رضا الله تعالى مُرتبطٌ بالتمسك بالإيمان الراسخ، والعبادة الخاشعة، والتضحية في سبيل الله تعالى، مع إخلاص النية لله تعالى وحده. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يُرضونه ويُحبّهم.
اترك تعليقاً