جواز خلو الحال من ذكر يعود إليها: دراسة نحوية في ضوء آراء العلماء
تُعدّ مسألة جواز خلوّ الحال من الضمير العائد إليها من القضايا النحوية المُثيرة للجدل. وقد اختلف النحاة في تحديد شروط الحال، ومدى ارتباطها بذي الحال. سنستعرض في هذا المقال آراء النحاة حول هذه المسألة، مُبرزًا أهمّ الخلافات والوجهات النظرية المُختلفة، مع تحليل أمثلة لغوية توضيحية.
موقف أبو علي النحوي وقياسه الخاطئ
ذهب أبو علي النحوي إلى جواز خلو الحال من ذكر يعود إليها، مُستندًا إلى جواز وقوع أسماء ليست بصفات أحوالًا، مثل "بسر"، "رطب"، "قفيز"، وآية في قوله تعالى: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ [الأعراف: 73]. وقد قاس أبو علي الجملة الحالية الخالية من الضمير العائد إلى الحال المفردة الجامدة، كاسم الذات، مُعتبرًا أن هذا القياس لا يصحّ؛ لأنه يختلط به شأن الصفة المفردة والخبر المفرد، كما في قولنا: "هذا قاضٍ عادل"، و"زيد أسد". ولكنّ هذا القياس مُشكّل، فالحال في قوله تعالى: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ أقرب إلى الخبر في أمثال: "الدين النصيحة"، و"الحج عرفة".
أهمية قصد الوصف في تحديد الحال
يُلاحظ أن القضية ليست متعلقة بوجود الضمير العائد فحسب، بل الأهمّ هو قصد الوصف. فإذا أُريد للجملة أن تكون صفة لما قبلها زمن وقوع الفعل، تُعرب حالًا حتى لو خلت من الضمير العائد. أمّا إذا لم يُقصد الوصف، فلا تُعرب حالًا. تختلف الحال الجامدة التي استشهد بها أبو علي النحوي اختلافًا جوهريًا عن الجملة الحالية التي أجاز خلوها من ضمير صاحبها. فالحال "آية" في المثال القرآني مُراد منها أن تكون صفة للناقة، بل هي الناقة نفسها في المعنى، كما في الجملة الخبرية "لا إله إلا الله"، حيث لا تحتاج الجملة الخبرية إلى ضمير يعود إلى المبتدأ لأنها تُصبح نفس المبتدأ في المعنى. هذا بخلاف الجمل الاسمية كـ "أتيتك وزيد قائم"، فمن غير المُمكن اعتبار جملة "زيد قائم" صفة لـ "عمرو" أو أنها نفس عمرو في المعنى، كما في المثال: "جاء زيد وعمرو قائم".
رفض النحاة لخلوّ الجملة الخبرية والوصفية من الضمير العائد
يُصرّح النحاة بمنع صلاحية أن تكون الجملة الحالية خبرًا لعدم صلاحية جعلها وصفًا لما قبلها. فكما في شرح ابن عقيل: "بخلاف ضربي العبد مسيئًا، فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرًا عن المبتدأ الذي قبلها، فلا تقول: ضربي العبد مسيء؛ لأن الضرب لا يوصف بأنه مسيء". وبالتالي، عدم صلاحية وصفية الجملة المرتبطة بالواو الخالية من الذكر العائد إلى ما قبلها دليل على عدم قصد جعلها بمعنى الحال.
المذاهب المختلفة في تعريف الحال
ظهرت مذاهب مختلفة في التعامل مع هذه المسألة:
المذهب الثاني: تغيير التعريف
أجاز أبو علي النحوي والزمخشري وغيرهما أن تكون الجملة الحالية خالية من الذكر العائد، مُشَبِّهين إياها بالظرف. لكن هذا يتناقض مع تعريف الحال المتفق عليه. لذا، قام الرضي بتغيير تعريف الحال ليجعله شاملًا للجمل الحالية التي لا صاحب لها، مُعرّفًا إياها بأنها: "جزء كلام يتقيد بوقت حصول مضمونه تعلق الحدث الذي في ذلك الكلام بالفاعل أو المفعول، أو ما يجري مجراه". لكن هذا التعريف يُعتبر مُتكلّفًا لأنه جاء لحلّ مشكلة الحال التي لا تُبيّن هيئة ما قبلها، مُهملاً شرط بيان الهيئة.
المذهب الثالث: جعل الحال لبيان هيئة نفسها
عالج بعض النحاة المسألة بحجة أن الجمل الخالية من صاحب "تدل على هيئتها وحدها". لكن هذا التأويل غير مقبول لأنه عامّ ولا يخص الحال فقط، فالجمل الخبرية والوصفية والاستئنافية والاعتراضية تُبيّن هيئة نفسها. ولكن يُفرّق بين هذه الجمل استنادًا إلى ما تعود إليه: إن عادت إلى مبتدأ أُعربت خبرًا، وإلى نكرة أُعربت صفة، وإلى معرفة أُعربت حالًا، وإن كانت منقطعة أُعربت استئنافية أو ابتدائية.
المراجع:
- الحجة في القراءات السبع 1/ 117.
- رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب 3/ 395.
- رواه أحمد وأصحاب السنن، المقاصد الحسنة للسخاوي ص186.
- بدائع الفوائد، 2/ 190
- شرح ابن عقيل 1/ 204 وهمع الهوامع بتحقيق هارون ومكرم 2/ 15.
- شرح ابن عقيل 1/ 254.
- شرح القصائد العشر للخطيب التبريزي، 1/ 193.
- شرح الرضي 2/ 7-8.
- عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، على شواهد شرح الكافية 1/ 505.
- شرح الرضي 2/ 10.
- شرح الإظهار لعبد الله الأيوبي، ص145.
اترك تعليقاً