نتنياهو وترامب: هل يتحول الدعم الأمريكي إلى فخ لإسرائيل؟

نتنياهو وترامب: هل يتحول الدعم الأمريكي إلى فخ لإسرائيل؟

مقدمة: تحالف المصالح المتغيرة

لطالما نظر بنيامين نتنياهو إلى العلاقة مع الولايات المتحدة باعتبارها حجر الزاوية في أمن إسرائيل واستقرارها. لكن هذه العلاقة، التي وُصفت ذات يوم بأنها "أبدية"، تبدو اليوم أقرب إلى صفقة مصلحية باردة تحكمها التوترات والخداع المتبادل، خاصة في ظل إدارة دونالد ترامب. فهل يتحول هذا الدعم المشروط إلى فخ يهدد مستقبل إسرائيل؟

الدعم الأمريكي المشروط: تكتيك أم شراكة استراتيجية؟

في خضم الحرب المتصاعدة في غزة والضغوط الدولية المتزايدة، يبدو دعم إدارة ترامب لإسرائيل واضحًا، لكنه مشروط بلغة دبلوماسية دقيقة. يوظف نتنياهو هذا الدعم لتعزيز موقعه السياسي الداخلي، وغالبًا ما يتجاوز القيود الأمريكية عبر قنوات غير رسمية. هذا التحالف، الذي كان يُنظر إليه على أنه شراكة أيديولوجية، تحول إلى سوق مفتوح للمصالح، حيث يراهن نتنياهو على ترامب للبقاء في السلطة، بينما يحسب ترامب خطواته بعناية لتجنب اندلاع حرب إقليمية غير محسوبة.

نتنياهو: بين معارضة واشنطن والاعتماد عليها

على الرغم من تقديمه نفسه كأقرب الحلفاء لواشنطن، لم يتردد نتنياهو في معارضة الإدارات الأمريكية عندما تتعارض مصالحه معها. خطابه الشهير أمام الكونغرس عام 2015 ضد الاتفاق النووي مع إيران كان تحديًا صريحًا، يؤكد أن أولوياته تنبع من أجندته الخاصة، وليس من توافق استراتيجي عميق.

في المقابل، وفر له ترامب في ولايته الأولى دعمًا نادرًا، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي، واتفاقيات التطبيع التي عززت صورته كقائد "صنع التاريخ". لكن هذا التحالف الاستثنائي كشف اليوم عن هشاشته، حيث لم يعد ترامب يمنح دعمه دون شروط، بل أصبح الدعم تكتيكيًا ومحسوبًا، أقرب إلى عقد مؤقت من كونه شراكة راسخة.

تحول المزاج الأمريكي: من الحليف المدلل إلى الشريك المزعج

صحيفة "هآرتس" اختزلت الموقف في تحليل لاذع: "إسرائيل لم تعد الحليف المدلل، بل أصبحت شريكًا مزعجًا ينبغي احتواؤه". هذا التوصيف يعكس تغيرًا في المزاج الأمريكي وانقلابًا في موازين القوة، حيث يُراقب الزعيم الإسرائيلي من خلف الزجاج.

دوافع ترامب لدعم إسرائيل:

  • داخليًا: الاعتماد على القاعدة الإنجيلية التي ترى في إسرائيل تجسيدًا دينيًا وسياسيًا.
  • خارجيًا: الحفاظ على صورة الردع الأمريكي في المنطقة واحتواء نفوذ إيران.

ومع ذلك، بات ترامب أكثر حذرًا لتجنب الانجرار إلى مواجهة مفتوحة في غزة أو سوريا، وهو ما لا يصب في مصلحته الاستراتيجية ولا في ميزان الاقتصاد الأمريكي المتأرجح.

الالتفاف على القنوات الرسمية: أساليب نتنياهو القديمة

مع تآكل الثقة بين الطرفين، عاد نتنياهو إلى أساليبه القديمة، وهي التأثير غير المباشر عبر الدوائر المقربة من الإدارة، دون المرور بالقنوات الرسمية. من أبرز هذه المحاولات، علاقته بمايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق الذي كان يُعرف بـ"صوت إسرائيل" داخل البيت الأبيض. لكن إقالة والتز أظهرت أن واشنطن بدأت تُغلق أبواب التأثير غير المشروع، مما يكشف عن هشاشة موقف نتنياهو وأسلوبه السياسي المعتمد على الالتفاف والمراوغة.

الدعم الأمريكي المتغير: حدود التسامح

الدعم الأمريكي مستمر، لكنه تغير في جوهره. ففي حين لا تزال الطائرات والسلاح والمواقف العلنية تُرسل إلى إسرائيل، لم يعد الفيتو الأمريكي حاضرًا بنفس الحزم في مجلس الأمن، كما لم تبذل إدارة ترامب جهدًا كبيرًا لإجهاض مشروع القرار الأممي الداعي لوقف إطلاق النار. وفي الوقت ذاته، تُعبّر واشنطن عن فتور واضح تجاه العمليات البرية في رفح.

معضلة نتنياهو: دعم لا يكفي

مجلة "فورين أفيرز" وصفت الوضع بكلمات لا تحتمل اللبس: "الولايات المتحدة لا تزال تدعم إسرائيل، لكنها سئمت من نتنياهو". هذا الموقف يضع نتنياهو أمام معضلة غير مسبوقة: الدعم موجود، لكنه لا يكفي لنصر واضح، ولا يمنع الانهيار الداخلي.

الانقسام الداخلي الإسرائيلي: قلق وتخوف

تزداد المعادلة تعقيدًا حين ننظر إلى الداخل الإسرائيلي، حيث تُتابع النخب السياسية هذه العلاقة بقلق واضح. أحزاب الوسط واليسار ترى في تراجع الحماس الأمريكي فرصة لتقييد نتنياهو، بينما يتخوف اليمين من أن يفقد الغطاء الأمريكي في لحظة حرجة.

رأي الشعب الإسرائيلي:

  • استطلاع معهد "متفيم" أظهر أن 62% من الإسرائيليين يعتقدون أن علاقة نتنياهو المتوترة بواشنطن تضر بصورة إسرائيل عالميًا.

استراتيجية البقاء على الحافة: المراوغة والتصعيد

نتنياهو يدرك أن شرعيته مرتبطة بإحداث تغيير محسوس، قبل أن يفقد الغطاء الأمريكي الترامبي المحتمل، أو قبل أن يتفكك الائتلاف عند أول تنازل. هو يراهن على "انتصار محسوب" قبل أكتوبر/ تشرين الأول. لكن الزمن يعمل ضده، فهو يعرف أن دفع العلاقة مع واشنطن إلى نقطة اللاعودة سيعني:

  • احتمال توقف الإمداد العسكري.
  • تراجع الثقة العالمية في "الردع الأمريكي" لإسرائيل.
  • تسارع انفكاك الدول العربية المطبّعة.

لهذا، يلجأ إلى سياسة المراوحة: تصعيد محسوب لكسب شعبية، وتهدئة مدروسة لامتصاص الضغوط الأمريكية. إنها استراتيجية البقاء على الحافة، لكنها تدفع الجميع الثمن.

الخلاصة: حبل أم مشنقة؟

لم تعد علاقة نتنياهو بواشنطن قائمة على قيم مشتركة أو مصير موحّد، بل تحولت إلى صفقة يومية تُدار وفق حسابات تكتيكية دقيقة. في ولاية ترامب الثانية، لا مكان للصداقة الدائمة، بل للمصالح المتغيرة حسب التوقيت. أما نتنياهو، هذا الحليف المربك، فيدرك جيدًا أن الحبل الأمريكي الذي يستند إليه، قد يتحول في أية لحظة إلى مشنقة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *