مقدمة
مع كل فصل صيف يطل علينا بحرارته اللافحة، تتجدد فينا معاني عظيمة وعبر عميقة، تتجاوز مجرد الشعور بالطقس الحار. إنها تذكرة بنار جهنم وعذابها، وحافز للاستعاذة بالله منها، والعمل الصالح الذي يقربنا إلى الجنة. هذا المقال يتناول هذه المعاني، مستنيرًا بالقرآن والسنة، لنستقبل الصيف بقلوب خاشعة وعزيمة صادقة.
حر الدنيا تذكرة بنار الآخرة
في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: أَكَل بعضي بعضًا، فأَذِن لها بنَفَسَين: نفَس في الشتاء، ونفَس في الصَّيْف، فأشدُّ ما تَجِدون من الحرِّ من سَمُوم جهنم، وأشدُّ ما تَجِدون من البَرْد من زمهرير جهنَّم".
هذا الحديث يوضح لنا أن حرارة الصيف الشديدة ليست مجرد ظاهرة طبيعية، بل هي نفحة من نفحات جهنم، تذكرنا بعذابها الأليم.
الاستعاذة بالله والعمل الصالح
- الاستعاذة بالله: من أولى الواجبات علينا عند الشعور بحرارة الصيف، أن نلجأ إلى الله بالدعاء والاستعاذة من نار جهنم، كما ورد في الحديث: "إذا كان يومٌ شديد الحر، فقال العبد: لا إله إلا الله، ما أشدَّ حرَّ هذا اليوم! اللهم أجِرْني من حرِّ جهنم، قال الله لجهنم: إنَّ عبدًا من عبادي استجار بي منك، وقد أجرتُه".
- تجنب المعاصي: الحر الشديد يذكرنا بضرورة تجنب الأعمال التي توصل إلى النار، من ترك الواجبات وفعل المحرمات وإضاعة الأوقات فيما لا ينفع.
- الإكثار من الطاعات: الصيف فرصة لزيادة الأعمال الصالحة، التي تثقل موازيننا وترفع درجاتنا في الجنة.
فضائل الأعمال الصالحة في الحر الشديد
- إبراد الظهر: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتدَّ الحرُّ، فأَبرِدوا بالصلاة؛ فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْحِ جهنم".
- الجهاد والدعوة إلى الله: الصبر على حرارة الجو في سبيل الله، سواء في الجهاد أو الدعوة، له أجر عظيم، وقد ذم الله المنافقين الذين تثاقلوا عن النفير في الحر.
- المشي إلى المساجد: المشي إلى المساجد في الحر الشديد لأداء الصلوات، وخاصة الجمع والجماعات، وشهود الجنائز، من الأعمال التي يضاعف الله أجرها.
- الصيام: الصيام في حرارة الصيف له فضل عظيم، لما فيه من ظمأ الهواجر، وقد كان السلف الصالح يتأسفون عند الموت على ما فاتهم من ذلك.
تذكر حر يوم القيامة
ينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرها يوم القيامة، حين تدنو الشمس من رؤوس العباد ويزداد حرها، وأن يتجنب الأعمال التي تستوجب دخول النار، فإنه لا صبر لأحد عليها.
النار تذكرة وعبرة
قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73]، فنار الدنيا تذكرنا بنار جهنم، وهي جزء من سبعين جزءًا منها.
المصيبة العظمى
المصيبة العظمى هي حين تنطبق النار على أهلها، وييئسون من الفرج والمخرج، وهو الفزع الأكبر الذي يأمنه أهل الجنة.
خاتمة
كل ما في الدنيا من نعيم يذكر بنعيم الجنة، وما فيها من عذاب يذكر بعذاب النار، وما فيها من حر يذكر بحر جهنم، وما فيها من برد يذكر بزمهرير جهنم.
فلنجعل من حر الصيف تذكرة وعبرة، ودافعًا للعمل الصالح، والاستعاذة بالله من عذاب جهنم.
اللهم أجرنا من عذاب جهنم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اترك تعليقاً