أهمية الأشهر الحرم في الإسلام: دليل شامل
مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعتبروا خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الأشهر الحرم في القرآن والسنة
تُعرف الأشهر الحرم في الإسلام بأهميتها الدينية الخاصة، وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب مُضر (الذي بين جمادى وشعبان). وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]. كما روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ، الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).
تفاسير لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾
يُفسر قوله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ بأنَّهُ يشمل ظلم النفس بارتكاب المعاصي، أو بترك الفرائض والواجبات، كما يشمل التعدي على حقوق الآخرين في أنفسهم، أو أعراضهم، أو أموالهم. وقد نقل ابن عباس رضي الله عنهما هذا التفسير، موضحاً أنَّ الله تعالى عظم حرمة هذه الأشهر وجعل الذنب فيها أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. كما أوضح قتادة رحمه الله أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم في كل حال عظيمًا، لكن الله يُعظم من أمره ما شاء، فعظموا ما عظّم الله.
تعظيم الأشهر الحرم واحترام حدود الله
الالتزام بحرمة الأشهر الحرم واجب على كل مسلم، ويتمثل ذلك في:
- اجتناب المعاصي: يجب الاجتهاد في اجتناب جميع المعاصي والمحرمات، والتوبة النصوح مما سبق ارتكابه.
- إقامة الفرائض: يُعدُّ إقامة الفرائض والواجبات الدينية من أهم مظاهر تعظيم حرمة هذه الأشهر.
- إحسان المعاملات: يجب حسن المعاملة مع الآخرين، وإعطاء كل ذي حق حقه، والبعد عن الظلم والعدوان.
- تعليم الصغار: ينبغي تعليم الصغار أهمية الأشهر الحرم واحترامها، وغرس قيم التقوى والخير في نفوسهم.
أهمية الأشهر الحرم في الحج والعمرة
حرّم الله القتال في الأشهر الحرم، وقد جعل من هذه الأشهر شهر ذي القعدة الذي يرحل فيه الناس للحج، وشهر محرم الذي يرجع فيه الناس من الحج، مبيناً بذلك أهمية هذه الأشهر في مناسك الحج والعمرة. وقد ذكر ابن كثير رحمه الله أن الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة متواليات وواحد فرد، وذلك لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، مبيناً أسباب تحريم كل شهر منها.
أمن الحج والعمرة في العصر الحديث
من رحمة الله تعالى أن أمن الحج والعمرة في بلادنا أصبح متوفرًا بفضل الله ثم جهود حكامنا ورعايتهم للحجاج والمعتمرين، مما يمكّنهم من أداء مناسكهم بسلام وأمان. هذا يُعدُّ نِعمة عظيمة يجب الحمد والشكر عليها، والدعاء لولاة الأمر بالتوفيق والتمكين.
خاتمة
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا ممن يحافظون على حرمة الأشهر الحرم، وأن يُصلح حالنا وحال جميع المسلمين، ويُعيدنا إليه رداً جميلاً، ويختم لنا بالصالحات. اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخُطبة الثانية – تم اختصارها لأسباب الوضوح والإيجاز في هذا التنسيق، ويمكن إضافتها كجزء منفصل إن لزم الأمر.)
اترك تعليقاً