الإسلام دين الوسطية: لا رهبانية ولا إفراط


الإسلام دين الوسطية: لا رهبانية ولا إفراط

ديننا الحنيف دين الوسطية والاعتدال، يوازن بين مطالب الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة. فما هي أبرز معالم هذا التوازن في الخطاب الإسلامي؟ وكيف حارب الإسلام الغلو والتطرف في التدين؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال.

الخطاب الإسلامي المتوازن: سمة مميزة

الخطاب الإسلامي يتميز بالتوازن والاعتدال، فلا يغرق في الروحانيات بعيدًا عن الواقع، ولا ينحدر في الماديات ناسياً الروح. إنه خطاب يراعي طبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، ويدعو إلى التوازن بين العمل للدين والعمل للدنيا، دون إهمال أحدهما على حساب الآخر.

  • ليس في الإسلام إفراط ولا تفريط: الإسلام لا يطالبك بالإيمان فقط بما تراه عيناك، فهذا إفراط. ولا يطالبك بأن تعطي خدك الأيسر لمن ضربك على خدك الأيمن، فهذا تفريط. بل يدعوك إلى الاعتدال في كل شيء، امتثالاً لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.

الرسول ﷺ يوقف قطار التبتل:

الإسلام يرفض التبتل والانقطاع التام عن الدنيا، ويدعو إلى الزواج وتكوين الأسرة، وإعمار الأرض. قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي ﷺ خير دليل على ذلك:

  • القصة: ثلاثة رهط جاؤوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال الثاني: وأما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
  • موقف النبي ﷺ: فلما علم النبي ﷺ بما قالوا، قال: "أنتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

هذا الحديث الشريف يؤكد على أهمية الوسطية في العبادة، وعدم المغالاة فيها على حساب جوانب الحياة الأخرى.

آيات قرآنية تؤكد على الاعتدال:

القرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى الاعتدال في كل شيء:

  • الاعتدال في الإنفاق: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}
  • الاعتدال في السعي للدنيا والآخرة: {وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ}
  • الاعتدال في المعيشة: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}

فالتواضع فضيلة بين الكبر والضعة، والاقتصاد في المعيشة فضيلة بين الإسراف والتقتير.

قصة عثمان بن مظعون: مثال على النهي عن الرهبانية

عثمان بن مظعون رضي الله عنه، أراد أن يتبتل وينقطع للعبادة، ويصوم النهار ويقوم الليل، فأراد أن يستأذن النبي ﷺ في أن يختصي (يزيل خصيتيه) وأن يسيح في الأرض (يهيم على وجهه دون مأوى).

  • رفض النبي ﷺ: رفض النبي ﷺ طلبه، وقال له: "أليس لك في رسول الله أسوة حسنة؟ إني أتزوج النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، يا عثمان إن خصاء أمتي الصيام، وليس مني من خصى أو اختصى".
  • النتيجة: لم يقتنع عثمان تمامًا، فبالغ في العبادة حتى أهمل زوجته، فاشتكت زوجته لعائشة رضي الله عنها، فلما علم النبي ﷺ قال لعثمان: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة، فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده".

دعنا نراك مسلماً: الدين المعاملة

الدين ليس مجرد صلاة وصيام، بل هو معاملة حسنة وأخلاق كريمة. الصيام والقيام يفقدان معناهما إذا لم ينعكسا خيرًا على سلوك صاحبهما. والحج والعمرة يبقيان عقيمين حتى يترجمهما الإنسان إلى صدق وأمانة وعفاف.

  • الدين المعاملة: كلمة تلملم الغايات من وراء كل تأتي وتذر من أوامر الله عز وجل.
  • دعنا نراك مسلماً: لابد أن نرى صلاتك في رحمتك بالناس، وتسبيحك وتهليلك رأفة بالفقراء وأصحاب الأعذار، والقرآن الذي تحفظه له بصمة في معاملاتك وسلوكياتك.

نحن بحاجة لتجديد إيماننا بأن حسن المعاملة والتخلق بمحاسن الأخلاق ركن ركين من الدين، فمن زاد عليك في شيء منها فقد زاد عليك في الدين.

تذكر: الإفلاس يوم القيامة والنار بانتظار كل إنسان ساءت معاملاته وفسدت أخلاقه، وإن كان في الدنيا يصلي ويصوم ويزعم أنه مسلم.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الخالص لوجهه الكريم، وأن يجعل حظنا من مكارم الأخلاق الحظ الأوفر.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *