بسم الله الرحمن الرحيم
في تمجيد العلماء وفريضة توقيرهم: صفحة مضيئة من أخلاق الإسلام
الحمد لله الذي رفع أهل العلم درجاتٍ في عليين، وجعلهم ورثةَ الأنبياء العاملين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد، الذي أورث أتباعه علمًا نقيًّا هاديًا مبينًا.
أيها القارئ الكريم،
إن العلمَ في ديننا أمانةٌ ثقيلة ورسالةٌ جليلة، والعلماء فيه هم النجوم المضيئة التي يهتدي بها الناس في ظلمات الفتن والمتغيرات. وهل ينكر عاقلٌ فضل هؤلاء الذين أوقفوا حياتهم في خدمة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!
أولئك العلماء الذين وصفهم الله في كتابه العزيز بقوله:
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾ [آل عمران: 18].
لقد تزينت الدنيا بوجود العلماء فيها، فهم حُراس الشريعة وحُماة العقيدة، يذودون عن حياض الدين، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
فيا عجبًا! كيف يطعن بعض من ينتمي إلى أمة الإسلام في أركانها ورموزها؟! وكيف يسعى السفهاء إلى الحط من كرامة هؤلاء الكبار الذين هم قناديل الأمة وركائزها؟
لقد أبانت نصوص الشريعة عن عظيم منزلتهم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”.
فتنة التشكيك والطعن في العلماء
لقد كانت هذه الأمة في أمنٍ وأمان حين توقر علماءها وتثق بإرشادهم. أما اليوم، فقد سُلَّت ألسنة الإفك وأقلام السوء لتنال من سمعة العلماء وأمانتهم.
وليس الطعن في العلماء سوى مظهرٍ من مظاهر حربٍ شعواء يُراد بها هدم الدين من جذوره، فإن زعزعة ثقة الناس في علماء الدين تفتح أبواب الجهل والتخبط، فتُستباح المحرمات وتُنتزع البركة من المجتمعات.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا البلاء بقوله:
“إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان”.
العلماء في وجه التحديات
إن الشدائد التي تمر بها الأمة ليست وليدة اللحظة، وليست في طبيعتها بالأمر الجديد، فإن كان أعداؤنا يتربصون بنا، فإن المصيبة الأشد تكمن في هؤلاء الذين خرجوا من بين أظهرنا، يسعون إلى تشويه صورة العلماء، والوقيعة في كرامتهم، ظنًّا منهم أنهم يملكون مفاتيح الحقيقة المطلقة، فيبخسون علم العالم، ويقللون من قدره.
أيها الناس:
لقد حذرنا القرآن الكريم من هذه الفتنة العظيمة، التي تفتح على الأمة أبواب الضلال، فقد قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
ألم يخبرنا التاريخ أن أول بذور الفتنة زُرعت حين استُهدف العلماء من قبل من لا يقدرون العلم؟ ألم تكن تلك الحروب الفكرية التي خاضها المسلمون في أزمنة متتابعة تحمل في جوهرها محاولة لطمس نور العلم الذي يجلو الحقائق ويضيء الظلمات؟
العلماء مشاعل الهداية:
عباد الله:
إن العالم ليس شخصًا يعيش في برج عاجي، ولا هو بعيد عن هموم الناس وآلامهم، بل هو دليل الأمة في طريق الحق، ومرجعها في الفتن المدلهمة. إذا وقع الناس في الشبهات، وجدت العلماء يزيلونها، وإذا نزلت النوازل، وجدتهم يخططون طريق الخلاص منها.
ولكم في قصص علماء الأمة سلوى وتسلية:
- أليس الإمام أحمد بن حنبل، حين واجه المحنة، بقي صامدًا أمام الظلم والجور، معلنًا أن “الحق أبلج والباطل لجلج”؟
- أليس الإمام النووي قد ترك الدنيا وراء ظهره، ليملأ الأمة بعلمه الزاخر ومصنفاته التي بقيت أنوارها متقدة؟
أيها الناس:
إن العلم ليس شرفًا يورث، ولكنه نور يقذفه الله في قلب من شاء من عباده، فإذا رفع الله العلماء، رفع معهم الأمة بأسرها، وإذا ضيعت الأمة قدر العلماء، سقطت في ظلام الجهل والضياع.
وصية الختام:
عباد الله:
إن حفظ مكانة العلماء فرض عين على كل مسلم. فهم ورثة الأنبياء، ومحجة الأمة، وهم خط الدفاع الأول عن عقيدتها وشريعتها. فاعرفوا لهم فضلهم، ولا تكونوا كالذين قال الله فيهم: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77].
والله نسأل أن يحفظ علماؤنا، وينير دروبهم، ويجعلهم منارات يهتدي بها السائرون، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اترك تعليقاً