الغش في التعليم: أسبابه، أساليبه، وأساليب مكافحته لضمان مستقبل مشرق


مقدمة: الغش آفة تقوض أركان العلم والمجتمع

الغش، بتعريفه البسيط، هو الخداع الذي يهدف إلى تحقيق مكاسب غير مستحقة. في سياق التعليم، يمثل الغش انتهاكًا صارخًا لقيم النزاهة والأمانة، ويحمل في طياته تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع ككل. إنه ليس مجرد مخالفة لقواعد الاختبارات، بل هو خيانة للأمانة الموكلة للطالب، وتشويه لمخرجات التعليم، وتقويض لأسس التنمية المستدامة.

تعريف الغش: الخداع المقرون بسوء النية

الغش، لغةً واصطلاحًا، هو نقيض النصح، وهو الخداع المقرون بسوء النية وقصد الإضرار بالآخرين. إنه سلوك غير أخلاقي يتنافى مع قيم النزاهة والأمانة، ويعكس ضعفًا في الوازع الديني والأخلاقي.

وقد ورد التحذير منه في السنة النبوية المطهرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، "من غش فليس مني".

أبعاد الغش: خيانة للأمانة وتأثير سلبي على جودة التعليم

الغش ليس مجرد سلوك فردي، بل هو خيانة للأمانة الموكلة للطالب تجاه نفسه ومؤسسته التعليمية ومجتمعه. إنه يؤثر سلبًا على جودة التعليم، ويضر بمصداقية الشهادات العلمية، ويقلل من قيمة المعرفة والجهد المبذول. كما أنه يشجع على التهاون والاستهتار، ويخلق بيئة غير صحية للتعلم والتطور.

أسباب الغش: دوافع متعددة تستدعي الفهم والمعالجة

تتعدد الأسباب والدوافع التي تدفع الطلاب إلى الغش، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • الإهمال وعدم الاستعداد: عدم المذاكرة والتحضير الجيد للاختبارات يدفع الطالب للبحث عن طرق سهلة للحصول على النجاح.
  • الضغط النفسي: الضغوط الأسرية والمدرسية لتحقيق التفوق قد تدفع الطالب إلى الغش خوفًا من الفشل.
  • الرغبة في النجاح بأقل جهد: الميل إلى الكسل وتجنب بذل الجهد اللازم لتحقيق النجاح يدفع الطالب للبحث عن طرق مختصرة وغير مشروعة.
  • ضعف الوازع الديني والأخلاقي: عدم وجود رقابة داخلية قوية تدفع الطالب إلى التهاون في الالتزام بالقيم والأخلاق.
  • القلق والخوف من الفشل: الخوف من عدم تحقيق النتائج المرجوة يدفع الطالب إلى الغش كوسيلة للتغلب على هذا الخوف.
  • الاعتقاد بعدم أهمية المادة: قد يرى الطالب أن بعض المواد الدراسية غير مهمة، فيلجأ إلى الغش لتجاوزها دون بذل جهد.
  • التأثر بالأقران: قد يتأثر الطالب بسلوك زملائه الذين يمارسون الغش، فيعتبره أمرًا عاديًا أو مقبولًا.

أساليب الغش: تطور مستمر يتطلب يقظة ومواكبة

تتطور أساليب الغش باستمرار، وتتنوع بتنوع التقنيات الحديثة والظروف المحيطة. ومن بين الأساليب الشائعة:

  • تبادل التلميحات: تبادل الإشارات والإيماءات مع الزملاء أثناء الاختبارات.
  • استخدام الأجهزة الإلكترونية: استخدام الهواتف المحمولة والساعات الذكية للبحث عن الإجابات.
  • الكتابة على الأوراق والملابس: كتابة الملاحظات والإجابات على أوراق صغيرة أو على الملابس وإخفائها.
  • الاستعانة بالآخرين: طلب المساعدة من الطلاب الآخرين أو من مصادر خارجية للحصول على الإجابات.
  • تزوير الوثائق: تزوير الشهادات والتقارير والأعمال الفصلية.
  • القرصنة الإلكترونية: اختراق الأنظمة الإلكترونية للحصول على الإجابات أو تعديل الدرجات.

مكافحة الغش: استراتيجيات متكاملة لتعزيز النزاهة

لمكافحة الغش بفاعلية، يجب تبني استراتيجيات متكاملة تشمل الجوانب التالية:

  • تعزيز الوازع الديني والأخلاقي: غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوس الطلاب، وتعزيز الشعور بالمسؤولية والأمانة.
  • التوعية بأهمية النزاهة: توعية الطلاب بأهمية النزاهة والأخلاق في التعلم، وتوضيح الآثار السلبية للغش على الفرد والمجتمع.
  • تطوير أساليب التقييم: استخدام تقنيات تقييم متنوعة، مثل الاختبارات الشفهية والمشاريع العملية، لتقليل فرص الغش.
  • رفع مستوى المراقبة: تنظيم الاختبارات في بيئة مراقبة محكمة، واستخدام الإشراف الفعّال.
  • تطبيق الأنظمة الصارمة: تطبيق العقوبات الأكاديمية على الطلاب الذين يثبت تورطهم في الغش.
  • تشجيع السلوك الأخلاقي: تكريم الطلاب الذين يظهرون أخلاقيات عالية ويتجنبون الغش.
  • تعزيز مهارات التفكير النقدي: تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب لتحفيز الاستيعاب والفهم العميق.
  • إشراك الطلاب في المسؤولية: إعطاء الطلاب فرصة لتحمل المسؤولية عن أدائهم والمشاركة في تحسين بيئة الاختبارات.

دور الجميع في مكافحة الغش: مسؤولية مشتركة

مكافحة الغش ليست مسؤولية المؤسسات التعليمية فحسب، بل هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع: الأسرة، والمجتمع، والمعلم، والمراقب، والإداري، والطالب. يجب على الجميع التعاون والتكاتف لخلق بيئة تعليمية نزيهة وفعّالة وملهمة، تشجع على التعلم والتطور، وتحترم القيم والأخلاق.

فتاوى العلماء في حكم الغش: تحريم قاطع

يؤكد العلماء على حرمة الغش في الامتحانات، ويعتبرونه من كبائر الذنوب. وقد وردت فتاوى عديدة تحذر من الغش وتبين خطورته على الفرد والمجتمع.

  • فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: الغش في الامتحان محرم ومنكر كالغش في المعاملات، وقد يكون أعظم من الغش في المعاملات؛ لأنه قد يحصل له وظائف كبيرة بأسباب الغش.
  • فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: ليس هناك ما يحل للطالب أن يغش في أثناء الامتحانات؛ لأن الغش من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غش فليس منا».

خاتمة: نحو بيئة تعليمية نزيهة ومستقبل مشرق

الغش آفة خطيرة تهدد مستقبل التعليم والمجتمع. لمكافحة هذه الآفة، يجب علينا جميعًا العمل بجد لتعزيز قيم النزاهة والأخلاق، وتوفير بيئة تعليمية نزيهة وفعّالة، تشجع على التعلم والتطور، وتحترم الجهد المبذول. عندها فقط يمكننا أن نضمن مستقبلًا مشرقًا لأجيالنا القادمة.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *