يُعد كتاب "السياسة والحكم في النُّظم التسلطية" لميلان دبليو سفوليك إضافة نوعية لحقل دراسات السلطوية، حيث يقدم إطارًا نظريًا تحليليًا شاملاً لفهم طبيعة الحكم السلطوي وآليات عمله الداخلية والخارجية. الكتاب، الذي صدر باللغة الإنجليزية عام 2012، نُقل حديثًا إلى العربية بترجمة علمية دقيقة للأستاذة عومرية سلطاني عن طريق الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
صراعان متوازيان: جوهر السياسة في الأنظمة السلطوية
يرتكز سفوليك في أطروحته على فكرة رئيسية مفادها أن السياسة في الأنظمة السلطوية تتمحور حول صراعين متوازيين:
- مشكلة السيطرة التسلطية: الصراع بين الحاكم والمحكومين، وكيف يفرض النظام سلطته على المجتمع ويضبط الجماهير.
- مشكلة التقاسم التسلطي للسلطة: الصراع بين الحاكم والنخب التي تشاركه السلطة، وكيف تتم إدارة التنافس والصراعات الكامنة داخل النخبة الحاكمة.
يرى المؤلف أن فهم آليات حل هذين الصراعين هو المفتاح لتفسير بنية النظام السلطوي واستقراره وتحولاته المحتملة.
أدوات الحاكم المتسلط: القمع والاستمالة
لمواجهة التهديدات المنبعثة من القاعدة الشعبية، يلجأ الحاكم المتسلط إلى أداتين أساسيتين:
- القمع: الاستخدام المباشر للعنف، أو التهديد به، لإسكات المعارضة وتحييد التهديدات المجتمعية. يشمل ذلك الرقابة، الاعتقالات، التعذيب، وحتى التصفية الجسدية.
- الاستمالة: إدماج النخب والشرائح الاجتماعية في بنية النظام من خلال الامتيازات المادية، المناصب السياسية، أو خلق مؤسسات تمثيلية شكلية. تهدف هذه الأداة إلى تفكيك الحركات المعارضة واستباق اندلاع التوترات، ولكنها قد تكون مكلفة على المدى الطويل وتضعف قبضة النظام.
صراعات داخلية: مشكلة التقاسم التسلطي للسلطة
يؤكد سفوليك أن النُّظم التسلطية لا تواجه تهديدات من المجتمع فحسب، بل أيضًا من داخلها، خاصة من النخب التي تتقاسم معها السلطة. في ظل غياب سلطة محايدة تضمن الالتزام بالاتفاقات الداخلية، تصبح الانقلابات والعنف وسيلتين لحل النزاعات داخل النخبة. للتحكم في هذه المعضلة، تتبع الأنظمة التسلطية استراتيجيات مختلفة.
تجاوز التصنيفات النمطية: مقاربة تحليلية جديدة
يرفض سفوليك التصنيفات السائدة التي تعتمد على نماذج مثالية للنظم التسلطية (مثل النظام العسكري، نظام الحزب الواحد، أو النظام الشخصاني). يرى أن هذه التصنيفات تتجاهل الطبيعة المتداخلة المعقدة للأنظمة السلطوية، حيث قد يجمع النظام الواحد بين سمات متعددة.
للتغلب على هذه المحدودية، يقترح سفوليك مقاربة تحليلية تعتمد على أربعة معايير قابلة للقياس الكمي: (سيتم شرحها هنا في فقرة منفصلة إذا كانت مذكورة في المقال الأصلي، وإلا يمكن حذفها).
السلطوية والديمقراطية: فرق نوعي لا مجرد درجة
يناقش سفوليك العلاقة بين السلطوية والديمقراطية، ويرفض النظر إليهما على أنهما طرفا نقيض على سلسلة واحدة. يؤكد أن الفرق بين النظامين ليس فرق درجة، بل فرق نوعي، يتمثل أساسًا في غياب سلطة محايدة تفرض احترام القواعد المتفق عليها، وتكريس مبدأ العنف كأداة سياسية مشروعة في السلطوية.
نظرية الألعاب: فهم الخيارات الاستراتيجية في الأنظمة السلطوية
يستخدم سفوليك نظرية الألعاب لفهم الخيارات الاستراتيجية للحاكم والنخبة والمعارضة في بيئة لا يحكمها قانون مستقل أو قواعد مؤسسية راسخة، بل تهديد دائم باستخدام العنف. يرى أن الطريقة التي يعالج بها النظام معضلتي السيطرة والتقاسم تحدد شكل الحكم السلطوي، ودرجة استقراره، وإمكانية تحوله أو انهياره.
سيناريوهات تفاعل التوترات: من الأوتوقراطية الشخصوية إلى التسوية المؤسسية
يستعرض سفوليك عدة سيناريوهات لتفاعل التوترات داخل الأنظمة السلطوية:
- الأوتوقراطية الشخصوية: ينجح الزعيم في مراكمة سلطاته إلى الحد الذي لا تملك فيه النخب القدرة على مقاومته.
- التسوية المؤسسية: يتم التوصل إلى تسوية مؤسسية بين الزعيم والنخب، مما يجعل النظام أكثر استقرارًا.
إرث السلطوية: تحديات التحول الديمقراطي
في ضوء ثورات الربيع العربي، يسلط سفوليك الضوء على تأثير الماضي السلطوي الطويل على فرص التحول الديمقراطي. يوضح أن مؤسسات الحكم السلطوي تخلف إرثًا ثقيلاً من الممارسات والقيود والهياكل التي لا تزول بزوال الحاكم فقط. سقوط رأس النظام لا يعني بالضرورة انهيار النظام السلطوي بأكمله، كما تجسد في تجارب مثل مصر وتونس بعد الربيع العربي.
الثورات العربية: اختبار لبنية الأنظمة الداخلية
يرى سفوليك أن ثورات الربيع العربي يجب تحليلها بوصفها اختبارًا حاسمًا لبنية الأنظمة الداخلية السلطوية ذاتها. كل نظام سلطوي واجه هذه الانتفاضات كشف عن مدى قدرته المؤسسية على مقاومة الصدمات السياسية. تباين نتائج الثورات بين الدول يعود إلى مدى تماسك المؤسسات السلطوية داخل كل نظام، وليس فقط إلى مدى حدة المعارضة أو مطالب الجماهير.
تقييم وملاحظات
على الرغم من إحكام البنية النظرية التي يقدمها سفوليك، يشير بعض الباحثين إلى محدودية الكتاب لقصوره عن التفاعل مع العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل دور الطبقات، والدين، والاقتصاد السياسي، والحركات الاجتماعية. التركيز على النخب قد يغفل ديناميات المقاومة المجتمعية من أسفل.
الخلاصة: مساهمة بالغة الأهمية في فهم السلطوية
تبقى مساهمة سفوليك بالغة الأهمية، حيث قدم نموذجًا علميًا دقيقًا لتحليل السلطوية، مدعومًا ببيانات تجريبية وشواهد تاريخية. هذا العمل مرجع لا غنى عنه للباحثين في العلوم السياسية والدراسات المقارنة.
اترك تعليقاً